رائحة العراقة تفوح من المكان، أينما حل نظرك فستجد حضارة وتاريخاً منذ آلاف السنين، هناك حيث كل شيء في القرية يروي لك عن عراقة المكان وأصالته، وعن الناس البسطاء والقلاع المهدمة، ومسجد ينتظر الترميم منذ الأزل و قلعة أثرية رابضة هناك، وعن خبز الطابون المخبوز بأيد مجعدة حنونة.

قرية ياصيد اخضرارٌ حيثما أشحت بنظرك، جبال مكسوةٌ بثوبٍ أخضر وحجارةٌ متراصةٌ فوق بعضها لتظهر لك كقلاعٍ صامدةٍ، قريةٌ نسيتها كتب التاريخ وتجاهلها أهلها، قرية تعالت نداءاتها مطالبة بالترميم فرفضت كل الأصوات، ياصيد قرية لو مررت منها لنثرت أمامك قصصاً من كل شبر وعن كل شيء.

تقع ياصيد إلى الشمال من مدينة نابلس, وتحدها قرى الجديدة و سيريس و الفارعة, ويبلغ تعداد سكانها 3500 نسمة,  وتسكن فيها عائلة الظاهر وتشكل نسبة 60% من سكان ياصيد, و عائلة المشاقي وتشكل ما نسبته 35% وتشكل عائلات أخرى ما نسبته 5% من سكان القرية.

هي لؤلؤة الشمال وذالك لانها تقع على أعلى سلسلة جبلية في المنطقة, ومحاطة بالأشجار من جميع الجهات حيث تزرع فيها أشجار الزيتون والتين واللوزيات والرمان والاسكادنية كما تعد من أنسب المناطق لزراعة التفاح كونها منطقة جبلية عالية تتمتع بمناخ مميز.

ما يميز ياصيد كثرة الأماكن الأثرية فيها, وخلال تجوالنا في حدودها استوقفنا رجلاً ذو هواية غريبة الطابع واسترسل في حديثه معنا، المربي عوني عارف الظاهر يبلغ من العمر56 عاماً قضاها في جمع تحف أثرية حتى غدا بيته كمتحف يطغى في جماله على المتحاف العالمية.

يروي لنا الأستاذ عوني عن هوايته الغريبة ومغامراته وعن المشاكل التي يعانيها فيقول "أجمع أغراضاً من كل مكان ستجدون لدي الزي الفلسطيني والأدوات التراثية والوثائق القديمة و شهادات "المترك".

ثم يرينا الأستاذ ظاهر صندوقاً طوله ثلاثة أمتار صنعه بيديه مملوءًا بالوثائق والأوراق القيمة المتعلقة بالقرية وسكانها, أوراق قضى سنيناً طويلة في جمعها وحفظها في مجلداتِ تمنعها من التلف.

ويطمح المربي ظاهر أن يتمتلك مكتبةً كبيرة, ويتمنى أن تكون مساحتها بما يقارب ال200 م لكي تحتوي ممتلكاته الأثرية التي جمعها في سنين عمره خوفاً عليها من الضياع و الإندثار, ليحفظ أثراً من عراقة هذه البلد ويقف شاهداً على أصالة المكان.

ثم يصطحبنا عوني ظاهر برفقة الدليل السياحي زايد المشاقي الى مسجد المشاقي القديم الذي يتربع في وسط قرية ياصيد والذي بني منذ أكثر من 500 عام, يتحدث المشاقي إلينا "طالبنا الجهات المعنية بترميم المكان منذ عدة أعوام لكن مطالبنا باءت بالفشل".

إن دخلت الى المسجد ستلاحظ أن كل ما تبقى منه ليس سوى اربعة جدران غير مسقوفة، وستشعر أنها آيلة للسقوط، ولتعرف حجم المأساة ستشاهد مقبرة حديثة العهد بنيت بجوار المسجد.

الحاجة مفيدة الظاهر البالغة من العمر 53 عاماً تحدثتنا عن كيفية بناء المسجد كما روى لها أجدادها، وتذكر أنه بنيَ من الطين وزيت الزيتون على أيدي أهل القرية القدماء.

كما يعقب المشاقي أن القرية أيضاً تعاني من نقص حاد في المياه نتيجة لاعتمادها على أبار الجمع من مياه الأمطار, حيث لايوجد فيها مياه جوفية, كما و تفتقر لوجود مستوصف طبي يلجأ إليه سكان القرية في حال وقوع أية حوادث.

منطقة هودا

هناك على جبال القرية ستلاحظ مغاراتٍ معتمة في كل ناحية، وقال المربي عوني الظاهر، أن هذه المغارات كانت آبار ارتوازية يرتوي منها أهل القرية، ويرجّح أنهم وجدوا فيها جراراً من الذهب.

وتشتمل منطقة هودا على أراضٍ زراعية كبيرة المساحة وتتواجد في كل ناحية منها أشجار لوز والغريب أنه لا توجد لافتات تحذر المواطنين من خطر الأفاعي أو الانزلاق في المغارات الكثيرة في المنطقة والتي قد غطيت بالأعشاب و النباتات المختلفة بعد حلول فصل الربيع.

متمسكون بالتقاليد العريقة

جنتان ممتلئتان بالتجاعيد, تروي لنا كل تجعيدة حكاية رسخها الزمان, توقد النار في الطابون ليلاً وتصحو باكراً لعجن طحين القمح بالماء والخميرة ورشة من الملح حتى يصبح جاهزاً, لتقوم بخبزه في الطابون الذي عرفه الأجداد ولا تزال تتمسك به الحاجة الستينية أم بدر و مثيلاتها في قرية ياصيد كما تتمسك بثوبها الفلسطيني الأصيل.

و في طريقك للخروج من قرية ياصيد ستلاحظ الآثار ماثلة في كل زاوية تشكو الإهمال وسوء العناية، مسجد ينتظر وعود ترميم لن تصبح قيد التنفيذ, وقلعة أهمل طابعها التاريخي حتى غدت كبيت عادي مهدم ومغارات اعتدى عليها أهل القرية بالحفر والتخريب.