الرئيسية / مقالات
مصر أخرجت عن السياق بقلم ثائر حنني
تاريخ النشر: الثلاثاء 19/08/2014 15:01
مصر أخرجت عن السياق بقلم ثائر حنني
مصر أخرجت عن السياق بقلم ثائر حنني

 شكلت ثورة يوليو المصرية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي منعطفا تاريخيا هاما في تاريخ الأمة وحاضرها المعاصر,وكذلك انقلابا شاملا في الذات العربية وفي مستوى الوعي القومي الحضاري,وتمكنت من خلال ذلك جمهورية مصر العربية قيادة زمام الأمور وروح المبادرة في العالم العربي ردحا من الزمن,وبفضل عبقرية القائد القومي الثوري جمال عبد الناصر صاحب الشخصية الأكثر ايجابية وجاذبية في الوطن العربي بسبب مواقفه الشجاعة ودفاعه المستميت عن حياض العروبة ومقدساتها وكرامتها وقضيتها المركزية –فلسطين- تأهلت مصر أيضا لقيادة وريادة دول عدم الانحياز ,وأصبحت قطبا مهما في رسم السياسة الدولية ,وعلى شأنها حتى باتت تكنى –بأم الدنيا- وأم العرب- وغدت مصر العروبة تمثل حلم واّمال ملايين العرب من المحيط إلى الخليج.

وعلى وقع ثورة يوليو الناصرية انفجرت عدة ثورات عربية وطنية وقومية في العديد من الأقطار العربية ,كان أبرزها ثورة تموز المجيدة في العراق وثورتي فلسطين والجزائر وثورة الفاتح في ليبيا واّذار السورية من العام 63 م ....هذه الثورات وخصوصا الفلسطينية والعراقية والسورية شكلت رافعة أضافية لثورة يوليو المصرية وأخرى للمجد والنصر والاقتدار العربي في مواجهة أعداء الأمة الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية.

وإزاء المد القومي الزاحف لجمهورية مصر العربية والثورات المساندة والرافعة لها ,وقف أعداء الأمة متجهمين مرتبكين أمام هول ألانجازات الهائلة وفي كافة الصعد الثورية والعلمية والاقتصادية والحضارية ,وكذلك حجم ألانتصارات العسكرية والسياسية ,مما دفعهم – أي أعداء الأمة – للبحث في كافة السبل والوسائل بهدف إحباط هذا السيل الثوري الجارف لثورات مصر وفلسطين والعراق,وفي هذا الصدد حيكت العديد من المؤامرات ضد قيادة عبد الناصرفشلت في معظمها حتى تمكنوا أخيرا من دس السم في شرابه وعبر أقرب المعاونين لديه مما أدى لوفاته ,وفتح الباب على مصراعيه لتولي أنور السادات من بعده الحكم ويقود مصر نحو مهادنة الأعداء والمساومة على القضايا القومية المصيرية, ويخرج مصر ويحيد بها عن معادلة الصراع العربي الصهيوني ,ويمعن في خراب مصر في شتى الميادين والمجالات,ويحرفها عن مسارها الريادي في معركة التحرير والوحدة,ويلقي بمصر الكبيرة في أحضان العدو يتلاعب بمصيرها كيفما شاء ..مما دفع أهل الغيرة والنخوة من أبناء مصر الغيارى لتسديد عدة رصاصات قاتلة لجسد المأفون أنور السادات.

....وما لبثت مصر ومعها كل العرب يتنفسون الصعداء ويبدون فرحتهم بوضع حد لحكم السادات المذل والمهين ليس لمصر فحسب وإنما للأمة العربية جمعاء, حتى اعتلى منصة الحكم بدلا منه الطيار حسني مبارك الذي ما لبث يضع قدماه في السلطة حتى بدد الآمال وجعلها تنهار مجدداً حيث أبقى مصر حبيسة المواقف الخارجة على السياق القومي العربي الديمقراطي الثوري ,وأشاع في ربوعها الفساد بكل أشكاله وألوانه,ووصل بمصر والمصريين إلى حافة الإفلاس السياسي والعسكري والاقتصادي والأخلاقي.

لقد رآكم نظام حسني مبارك الفساد والتسلط ,وأمعن في أخراج مصر عن سياقها القومي ألأصيل مما دفع الشعب المصري للتململ والتحفز للثورة الشاملة والعودة بمصر إلى جادة الصواب وروح ثورة عبد الناصر وأيقونته القومية الثورية الحضارية ....فكانت ثورة يناير 2011م التي أطاحت بحكم مبارك بمثابة الأمل المتجدد بالرقي والنمو والتقدم الثوري والديمقراطي والتي أشاعت الارتياح في ربوع الوطن العربي ,وجددت الأمل في قلوب الملايين من العرب بعودة مباركة لمصر العروبة والاقتدار ...ولكن الأمل سرعان ما تبدد بسبب سياسة التفرد والاستحواذ بالسلطات التنفيذية والتشريعية وادارت الظهر لكل الأحزاب والأطياف التي مارستها الجهة السياسية الأكبر في مصر ,مما أوقع الثورة بكل مكوناتها في حالة تخبط وفسحت المجال واسعا لثورة مضادة في يونيو 2013م ركب أمواجها رجل عسكري وجدف بها خارج المسار الديمقراطي الثوري القومي.

لقد تمكن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي من تجيير مسار ثورة يونيو لصالحه الشخصي مستثمرا عدم معرفة المصريين والعرب لسجله الذاتي وطموحاته وتوجهاته مما أدى إلى حالة الانقسام في الموقف المصري والعربي تجاه نوايا هذا الرجل وأفكاره وسياساته ,وحدا بالبعض منهم إلى التخيل بعودة روح عبد الناصر ممثلة بشخص السيسي ,وبعد مرور شهور من حكم السيسي وصمته المطبق اشتعلت النيران في فلسطين المحتلة ووقع العدوان النازي ا لبربري الصهيوني على غزة, وأنتفض الأهل في العراق الشقيق في ثورة مباركة لتحرير العراق تحريراً شاملاً وعميقاً ليشكلا معا أطهر وأنبل ثورتين في العالم العربي ,فما كان من السيسي وأركان نظامه إلا المواقف الرخيصة والمخزية إزاء هاتين الثورتين ,والتبجح علنا بنأي مصر عن قضية فلسطين لأسباب واهية وكاذبة بدعوى خسائر مصرية فادحة في الأرواح والاقتصاد سببته فلسطين لمصر العروبة ..ليس هذا فحسب فقد أمعن السيسي وأركان نظامه بالمواقف المخزية حين زار وزير خارجيته بغداد وأعلن وقوف مصر وإمكاناتها تحت تصرف النظام الطائفي العميل في العراق بحجة مواجهة الإرهاب في أفظع وصف لثورة الأهل هناك ولم يكتفي بالأقوال وسرعان ما عمد نظامه على غلق العديد من الفضائيات ووسائل الإعلام المساندة للثورة العراقية .

وإزاء هذه المواقف الصادمة لأركان نظام السيسي من حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا في غزة هاشم وحصاره للأهل هناك, ومواقفه من ثورة العراق الباسلة ووقوفه بالضد من رغبات الشعب العراقي التواق للحرية والانعتاق من نير الاحتلال الأمريكي ومخلفاته السياسية والدستورية والتدميرية ,تبقى مصر خارج سياقها القومي الديمقراطي الحضاري مما يدفع القوى الحية الوطنية والقومية والإسلامية لتشكيل أوسع تحالف يهدف إنقاذ مصر والعودة بها إلى فضاء الديمقراطية والازدهار ومواقع الريادة والشرف في أمتنا العربية وقضاياها المصيرية.

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017