الرئيسية / مقالات
يستعبدوننا وندعو الله الإطالة بأعمارهم كايد معاري
تاريخ النشر: الخميس 18/12/2014 11:20
يستعبدوننا وندعو الله الإطالة بأعمارهم كايد معاري
يستعبدوننا وندعو الله الإطالة بأعمارهم كايد معاري

 

في حكاية حاولت نفيها خارج ذاك الملعون المدعو عقل، كما يهاجر طواعية كفاءات وكوادر الوطن إلى دول المهجر، لكن دون جدوى.

حكاية مالك لقصر وحقل، إستعبد إثنين أحدهم يعمل داخل القصر بما فيه من " ذل رطب"، وأخر يشقى بزراعة الحقل وقطف ثماره اليانعة ويضعها في سلال المالك، لقاء مبلغ يمنحه كفاف يومه من الخبز.

قرر " عبد الحقل" في لحظة ما وهو يرى كيف أنه يضطر لشراء ما ينتجه الحقل من المالك لسد حاجته، أن يثور على واقعه، فما وجد له حليفا سوى نظيره" عبد القصر"، كان يظن أن العبودية متشابهة مهما إختلف مكانها، وعصرها، وقسوتها على الكرامة الإنسانية.

كان " عبد الحقل" مخطئا، فقد طمع نظيره بأن يغدق عليه صاحب القصر من خيراته الكثير، فوشى به، وما كان من صاحب الحقل إلا أن طلب منه أن يقتل " عبد الحقل" ليثبت وفاءه، وبالفعل قتله.. .

بعد حين إحتاج المالك عبدا ليحل مكان " عبد الحقل"، فما كان منه إلا استعباد عبدا آخر، منحه لقب " عبد القصر" والقى بالعبد الواشي إلى الحقل ليشقى.. .

يرتفع صوت المواطن بين فينة وأخرى، ويثير تساؤلات عديدة حول الواقع الذي يعيشه مع انتهاء إنتفاضة الأقصى ، بما خلفته من آثار إقتصادية، وإجتماعية ، وسياسية، هذه الفترة التي وعد فيها الشعب الفلسطيني بآفاق لحل إشكالياته وإن لم تكن السياسية فعلى الأقل الإجتماعية والإقتصادية، فما زادت إلا صعوبة وعسرا على المواطن فحسب.

النظام الذي خلق بعد إنتفاضة الأقصى منح القوة لطرفين إثنين يتمثلان بالسلطة التنفيذية و القطاع الخاص، وغدا بينهما حالة تزاوج يمكن وصفه بالكاثوليكي، أي لا فكاك للمواطن منه لأنه غدا رهينة له فهو من ناحية مصدر الراتب، والسوق في الآن ذاته، مما سلب المواطن قيمته الحقيقية بإعتباره أساس وجود القوتين.

العبودية اليوم ترتدي عباءتين:

عباءة الإستثمار:

لم يكن عبثا أن تصبح " الطبقة الوسطى" في فلسطين عبارة عن موظفين وهو الوصف المريح للأذن، أو عبيدا وهي الحقيقة التي نغمض أعيننا عنها بحثا عن الرزق المتاح، ففي مقارنة بسيطة راتب موظفي القطاع الخاص وهي أفضل من رواتب الموظف الحكومي العادي وأقصد هنا من غير المدراء والقادة، على استهلاكه خلال الشهر نكشف أنه يتيح له فقط التفكير بحاجاته الأساسية، كالمأكل والمشرب، حتى السكن غدا حلما لكثير منهم دون تسهيلات البنوك، في تحقيق صحفي أنجزه الصحفي منتصر حمدان يذكر أن: "  77 ألف موظف عمومي من أصل 180 ألف موظف، اقترضوا من البنوك قرابة 640 مليون دولار بمعدل 8300 دولار للمقترض الواحد، في حين أن مجموع قروض الحكومة والقطاع الخاص والموظفين مجتمعة وصلت نحو ما يزيد عن أربعة مليارات دولار".

هذه الإحصائية فقط دون الإشارة إلى إحصائيات أخرى تتعلق بمعدلات البطالة في وسط خريجي الجامعات إنما تعكس أننا اليوم في نظام إقتصادي استعبادي لكن في هذه المرة العبيد يرتدون بذلات أنيقة تشبه الى حد بعيد ما يرتديه رجال الأعمال والمستثمرين، وهي صورة مريحة لنا ولهم في ذات الوقت، تزيل عنا عبء الإجابة عن مستقبلنا ومستقبل جيلين قادمين على الأقل تحت المديونية، وتلقي عن كاهلهم صفة المالك، وتستجلب لهم دعوات الأمهات، بدوام الحال لأن انهياره يعني الموت من الجوع أو الإعتقال بدعوى عدم تسديد القروض.

 

عباءة الإحتلال:

بكل تأكيد الإحتلال هو سبب رئيسي فيما يعانيه الشعب الفلسطيني، لكن حتى في المساحات التي أتيح لنا أن نخلق نموذجا مختلفا لم نفعل.

وما تعمل عليه القيادة على الصعيد السياسي من خطوات توصف " بالإشتباك السياسي" هي خطوات إيجابية وفي الإطار السليم في سبيل إنهاء الإحتلال، إلا أنه في نظرة أخرى جعل من الصراع الفلسطيني -  الإسرائيلي صراعا نخبويا في درجة أساسية، منح قوى الشعب إجازة حتى إشعار أخر وإن كان هناك مشاركات له، في مسيرات متواضعة أطلق عليها إسم مسيرات شعبية أو " لا عنفية". 

كيف تكون نخبوية الصراع عبودية؟

تكون كذلك، حين تكون قوى الشعب كالنقابات، والحركات الطلابية، والمثقفون، والأكاديميون، والصحفيون، وفقراء المخيم، وفلاح القرية، والتاجر الصغير، ملزمون بتطبيق آراء النخب دون حول أو قوة في الرفض أو التعديل، وإن حاول بعضهم فعل ذلك يوسمون بالخارجين عن الصف الوطني، حتى وإن كانت إنتقاداتهم حقوقية ومطلبية، وكأن ذنب تأسيس نظام حكم تحت الإحتلال هي ذنب المواطن.

إفراغ قوى الشعب من قيمتها المعنوية، والفعلية من خلال الإمتيازات أو غيرها من الطرق وجعلها تسير في الفلك المرسوم، منح السلطة التنفيذية سلطة مطلقة أو  مفسدة كبرى، وشكلا اخر من أشكال العبودية " الحضاري"، وجعلنا "مستزلمون" لأقطابها.

وبرأيي أن هذا الواقع سوف يستمر طالما أن المالك بإمكانه إستبدال العبيد في أي وقت يريد، فأنا أريد وأنت تريد و"المالك" يفعل ما يريد.

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017