الرئيسية / مقالات
بأي حال رحلت يا عام ؟
تاريخ النشر: الخميس 24/12/2015 09:40
بأي حال رحلت يا عام ؟
بأي حال رحلت يا عام ؟

 مضى عام وأوشك على الأفول ،،، مضى بكل ما يحمله في طياته من نجاحات وإخفاقات ،،، بكل إيجابياته وسلبياته ،،، بحلوه ومره  ،،، بابتساماته وعبوسه ،،، بتشارك الناس وتوحدهم أم بتمزقهم وتشردهم ،،، بصداقاتهم وتعاونهم أم بعداوتهم وتناحرهم ،،، بكل ما تحمله الكلمة من معاني ،،، وبكل ما يظهر للعلن أو قابع تحت وطأة الأسرار وبواطنها غير المعلنة ،،، مضى عام ومن قبله أعوام خلت ،،، كلها أعوام تأخذ من أعمارنا وتنحت في عقولنا وأفئدتنا الكثير الكثير من سعادة وهناء أم من ألم وشقاء .

وما أجمل ما قال الشاعر :   دقات قلب المرء قائلة          إن الحياة دقائق وثواني

آجالنا محدودة ،،، وأيامنا معدودة ،،، تنقص ولا تزيد ،،، وإذا ذهب يوم لا يعوض ، بل نخسر  رصيد من أعمارنا وحياتنا ،،، من المستحيل أن نعيد يوم ضاع علينا ،،، لذا يقول الحسن البصري رحمه الله : يا بن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك،،، وقال ابن القيِّم رحمه الله: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله، والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.

                    

أيام تنقضي وشهور وأعوام من عمر الإنسان دون أن يعيرها الانتباه والاهتمام الكافي ، دون وقفة يجلي فيها ما اكتسبه وما أنفقه ،،، محاسبة النفس وتقويمها ، فيما أصابت وفيما أخطأت ،،، يضيع الكثير من حياتنا دون أن نلتف إليه أو نعيره الاهتمام الكافي ،،،، حتى نقيمه ونأخذ منه العبر والعظات ، فحصيلة خبراتنا من المهم  أن نستفيد منها ،،، لا نجعلها سيفاً  مسلطاً علينا لجلد الذات أو تجرع المرارة على ما خسرناه أو ضاع من حياتنا أو من حياة الآخرين ،،، تجربة دسمة ومهمة لنا كنبراس يهدينا إلى سبل السلام والوصول إلى حيث نريد ،،، لا نتخذه معيقاً لنا وسداً منيعاً لا يزحزحنا عن طريقنا ، بل الأكثر من هذا فهو يشدنا ويرجعنا إلى الوراء ، ونبقى نعيش في دوامة الأسف والحزن على ما فات ،،،، من جميل الفعال أن نتخذ الأعوام الماضية طريقاً سهلاً يوصلنا إلى مستقبل أجيالنا وأبنائنا ، ويدفعنا ويحفزنا للسير قدماً دون ترهل أو تخاذل عن استكمال الحياة مهما كانت النتائج ومهما بلغت التحديات والصعاب .

مطلوب من أن نأخذ الماضي بإيجابية ودروس تعلمنا ما جهلنا ،،، حتى نصل إلى نتصالح مع ذاتنا والعالم من حولنا ،،، ذاك الذي يتسم بالنجاح ويعزز ما أحسن استثماره  ووفقنا به ،،،، ومعالجة الأخطاء والتعديات والتجاوزات التي وقعنا بها مع أنفسنا وغيرنا ،،، ونبتعد عنها ونبدلها بالأحسن الذي يدفعنا إلى الأمام ،،،، لا يقعد بنا ويصيبنا بالعلل والأمراض الجسدية والنفسية ،،،، يا سادة الأبحاث والدراسات تتحدث عن ما يقارب ما بين 40- 60%  من الأمراض الجسدية من أمراض القلب والسكر والضغط والقرحة  والسرطان وغيرها نفسية المنشاة ،،، ناهيك عن الأمراض النفسية من اضطرابات القلق والاكتئاب والفصام العقلي وغيره من الاضطرابات الفتاكة التي تغير حياة الإنسان من السعادة  إلى نار مستعرة للشخص و المحيطين فيه ،،،،

 لذا من المهم أن ندير أوقاتنا وأعمارنا بمهنية ووعي ومعرفة ،،، أن نستثمر الزمن الذي نعيش بأهداف خلاقة وايجابية وذات نفع يعود علينا وعلى أعمالنا ومسؤولياتنا والمجتمع من حولنا ،،، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمتُ على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي،،، كيف بنا وقد ضاعفنا نجاحاتنا وأسهمنا في تنميتها وتحسين أعمالنا ،،، وتجاوزنا ما أخفقنا فيه ووضعنا الآليات والوسائل التي تعيننا على عدم تكراره وحدوثه ،،، ليس العيب أن لا نخطئ ، إنما المعيب أن نخطئ دون أن نعترف به ونعمل بكل ما أوتينا من قوة على تلافيه وتجنبه .

أن نسهم في زرع وتنمية كل ما هو جميل وراقي و إيجابي ونتجنب السلبية والتشاؤم والنظرة القائمة على الفكر السوداوي والسلبي ، وذلك من خلال النظرة الخيرة للناس من حولنا ، والشعور بأن البشر يخطئون ، ومن السهولة بمكان إذا امتلكنا الأدوات المناسبة نسهم في إعادتهم للصواب والسلوك القويم ،،، الأشياء الحلوة بلسم وذات تحفيز لنا على المضي قدماً دون العودة للوراء ،،، وإذا كان هناك مواقف وأزمات أذاقتنا المر والحزن في حياتنا ، فلنجعل مرارتها فرصة للملمة الجراح وإعادة البسمة من خلال التصالح والتسامح وإعادة اللحمة والقوة فيمن نعيش معهم ،،، إن استبدال عبوسنا بالابتسامة الصادقة والقلب الحاني للآخرين ، لهو دليل على صفاء المعدن وطيب المعشر الذي يجمعنا ويضمنا في كنف أسرة واحدة أو مؤسسة واحدة وأرض و سماء واحد .

واجب علينا أن نتشارك مع الناس في فرحهم وهمومهم ، ويوحدنا الدين الواحد والوطن الواحد والقواسم المشتركة وما أكثرها ،،، ولا يمزقنا ترهات المواقف التافهة والرخيصة ،،، قاسمنا أكبر من تفرقنا ، ما يجمعنا أغلى من تشردنا ،،، ما أعظم من يعيشون بصداقات وتعاون وحب وإخاء ،،، عداوات تأكل صاحبها قبل أن تأكل غيره ،،، تناحرنا يقوي أعدائنا ولا يضعفهم ،،، وكما قيل " الإتحاد قوة والتفرق ضعف " ، العالم الغربي يعيش فكرة الاندماج والاتحاد ،،، حتى يستمر في الهيمنة والقوة والديمومة ،،، ونبقى الشعوب والأمم المغلوبة على أمرها ،،، تقاد من قبله ويستمر المسلسل ذاته الذي نعيشه منذ قرن من الزمان تحت وطأة التبعية والانقياد ،،، كل عام وأنتم بخير 

د. أكرم عثمان

مستشار ومدرب دولي في التنمية البشرية

 

24/12/2105

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017