بقلم: أ. حازم صلاحات
تواجه فلسطين اليوم تحدياً كبيراً يتمثل في البطالة بين الشباب، وهي مشكلة لم تعد محصورة في أرقام وإحصاءات، بل تؤثر بشكل مباشر على المجتمع، الاقتصاد، والاستقرار الاجتماعي. فالشباب الفلسطيني، الذين يمثلون النسبة الأكبر من السكان، يمتلكون طاقات كبيرة وطموحات وإمكانيات تعليمية متميزة، إلا أن الواقع الاقتصادي والسياسي الصعب يعيق قدرتهم على الحصول على فرص عمل مناسبة أو إطلاق مشاريعهم الخاصة.
تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن نسبة البطالة بين الشباب بلغت حوالي 80% بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا في قطاع غزة خلال الربع الرابع من عام 2024. في المقابل، بلغت نسبة البطالة في الضفة الغربية حوالي 38% بين الذكور و49% بين الإناث خلال العام 2024. وتشير بيانات أحدث، صدرت في الربع الثاني من عام 2025، إلى انخفاض طفيف في معدل بطالة الشباب في الضفة الغربية. وفي مناطق شمال الضفة الغربية، مثل نابلس، جنين، طوباس، طولكرم، وقلقيلية، تشهد معدلات البطالة تفاوتاً كبيراً بين المحافظات، حيث تواجه بعض المناطق تحديات مضاعفة بسبب محدودية الفرص الاقتصادية وقلة الاستثمارات المحلية. هذه الأرقام الصادمة تعكس أزمة حقيقية تتطلب تدخلاً عاجلاً ومستمراً من جميع الجهات الرسمية والمؤسسات الشبابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ورغم هذه التحديات، يثبت الشباب الفلسطيني يوماً بعد يوم أنه قادر على تحويل المحنة إلى فرصة. فعدد كبير من الشباب استطاعوا تأسيس مشاريع صغيرة، والانخراط في مبادرات ريادية، والمشاركة في برامج التدريب والتأهيل التي تقدمها المراكز الشبابية. هؤلاء الشباب لم ينتظروا الوظائف التقليدية، بل سعوا إلى بناء واقعهم الاقتصادي والاجتماعي من خلال الاعتماد على الذات والابتكار والإبداع.
في هذا السياق، تلعب المؤسسات والمراكز الشبابية دوراً محورياً في بناء قدرات الشباب وتمكينهم من مواجهة سوق العمل الصعب. هذه المؤسسات توفر برامج تدريبية متخصصة في مجالات التكنولوجيا، إدارة المشاريع، الإعلام الرقمي، التسويق الإلكتروني، وريادة الأعمال، إضافة إلى المهارات الحياتية الأساسية التي تساعد الشباب على تطوير الذات وزيادة فرصهم في التوظيف أو بدء مشاريعهم الخاصة. ومن خلال هذه البرامج، يتمكن الشباب من صقل مهاراتهم التقنية والإدارية والتواصلية، ما يجعلهم أكثر استعداداً للتكيف مع متطلبات سوق العمل المتغيرة.
لكن لتحقيق أثر حقيقي ومستدام، يجب أن يكون هناك تعاون وتكامل وطني بين جميع الأطراف:
• على المؤسسات الرسمية وضع سياسات واضحة لتعزيز تمكين الشباب ودعم بيئة ريادة الأعمال، من خلال توفير تسهيلات وحوافز وتشجيع الاستثمارات المحلية.
• وعلى الجهات المانحة والمنظمات الدولية توجيه استثماراتها بشكل أكبر نحو برامج بناء القدرات وخلق فرص عمل مستدامة للشباب، بعيداً عن المشاريع قصيرة الأمد والمؤقتة.
• كما أن القطاع الخاص يجب أن يشارك كشريك فاعل في تدريب وتشغيل الشباب، وربط برامج التعليم والتأهيل باحتياجات السوق الفعلية.
في شمال الضفة الغربية، وتحديداً في نابلس، جنين، طوباس، طولكرم، وقلقيلية، لا نفتقر إلى الشباب الطموح والمبدع، بل نفتقر إلى المنظومات الداعمة التي تمنحهم الفرصة للانطلاق بثقة، وتفتح أمامهم أفقاً لمستقبل أفضل. إن دعم الشباب الفلسطيني ليس مجرد مسؤولية اجتماعية، بل هو استثمار في صمود المجتمع واستقراره الاقتصادي والاجتماعي في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن.
إن تمكين الشباب يجب أن يكون أولوية وطنية، ويستلزم وضع استراتيجيات طويلة الأمد تشمل التدريب، التوظيف، دعم ريادة الأعمال، وربط الشباب بالمجتمع المدني والمؤسسات المحلية والدولية. كما يجب توسيع نطاق المراكز الشبابية لتشمل مناطق الريف والقرى النائية، لتتيح الفرص لجميع الشباب دون استثناء، وتقلل الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية.
وفي الختام، يبقى الأمل في الشباب، الذين أثبتوا أنهم قادرون على تغيير واقعهم وبناء مستقبلهم، إذا ما توفرت لهم الفرصة والبيئة الداعمة. إنهم ليسوا عبئاً على الوطن، بل هم طاقة الحياة فيه، ومن واجبنا جميعاً، سواء مؤسسات رسمية، جهات مانحة، أو مجتمع مدني، أن نوفر لهم الدعم والثقة والفرصة التي يستحقونها. فتمكين الشباب هو الطريق الأضمن لتعزيز صمود المجتمع الفلسطيني وبناء اقتصاد قوي ومستدام.