الرئيسية / مقالات
بين خطر التهميش وأمل الاستعادة: هل يكون المجلس الوطني نقطة انطلاق لإعادة الاعتبار للحركة النقابية في صياغة السياسات الوطنية؟
تاريخ النشر: اليوم الساعة 11:42
بين خطر التهميش وأمل الاستعادة: هل يكون المجلس الوطني نقطة انطلاق لإعادة الاعتبار للحركة النقابية في صياغة السياسات الوطنية؟
بين خطر التهميش وأمل الاستعادة: هل يكون المجلس الوطني نقطة انطلاق لإعادة الاعتبار للحركة النقابية في صياغة السياسات الوطنية؟

بقلم: النقابية عائشة حموضة
يمر الشعب الفلسطيني اليوم بمرحلة فارقة، تتقاطع فيها التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسط واقع الاحتلال الذي يفرض سياسات قمعية متصاعدة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية. ففي غزة، ما زالت جراح الإبادة الجماعية والنكبة المستمرة تنزف، حيث طالت آلة التدمير البشر والحجر ومحو البنية التحتية بالكامل. وفي الضفة الغربية، يتسع الاستيطان وتتسارع وتيرة العنف اليومي، في سياق خطة مدروسة لإضعاف صمود الفلسطيني على أرضه وتجريده من مقومات الحياة.
هذا الواقع يضرب بعمق الفئات الهشة من العمال والمزارعين والنساء والشباب، مهدداً بانهيار منظومة الأمن الغذائي في الضفة الغربية، تماماً كما انهارت في قطاع غزة. كما أن الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذا المشهد لا تقتصر على الحاضر فقط، بل تمتد لتقويض أي فرصة مستقبلية لبناء دولة فلسطينية قائمة على أسس حقيقية. فالحديث عن دولة دون ركائز اقتصادية متينة أو أعمدة إنتاجية واجتماعية راسخة، ليس إلا مشروعاً فارغاً من مضمونه، لأن الدولة لا يمكن أن تقوم على اقتصاد منهك وبنية تحتية مدمرة.
إن الاحتلال لا يكتفي بمصادرة الأرض أو خنق الاقتصاد، بل ينتهج آليات ممنهجة تستهدف كل تفاصيل حياة الفلسطينيين، من حرية التعبير والتنقل، إلى حقهم في العمل والتعليم والغذاء. ومع انسداد الأفق السياسي، تصبح الحاجة ملحة لصياغة استراتيجية وطنية حقيقية تستثمر الموارد المحلية وتعزز الإنتاج الوطني، بما يضمن الصمود أمام هذه الهجمة الشرسة. كما أن وجود استراتيجية إقليمية أمر لا يقل أهمية، فزعزعة استقرار فلسطين سرعان ما تمتد إلى الإقليم، لأن المشروع الاحتلالي بطبيعته عابر للحدود.
على الصعيد الدولي، انكشف زيف كثير من المؤسسات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وتراجع دور الهيئات الأممية، لتغدو عاجزة أو متواطئة أمام منظومة القوة التي تتحكم في الاقتصاد والسياسة العالمية. هذه الحقيقة تفرض على الفلسطينيين الاعتماد على أدواتهم الذاتية وتعزيز جبهتهم الداخلية قبل أي رهان خارجي.
وفي قلب هذه المعادلة المعقدة، تقف الحركة النقابية الفلسطينية في مواجهة أخطر لحظة بتاريخها. البطالة والفقر يتسعان لحظة بلحظة، والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر تتعرض للتدمير الممنهج، بينما تغيب الخطط الوطنية الشاملة لتحل محلها معالجات عشوائية لا تضمن التنمية ولا الاستدامة. الأدهى من ذلك أن الحركة العمالية أُبعدت إلى هامش الحياة السياسية، وغابت عن معظم اللجان التي ترسم السياسات العامة والاقتصادية والاجتماعية، رغم أنها تمثل صوت شريحة واسعة وحيوية من المجتمع.
هنا يبرز المجلس الوطني الفلسطيني كاستحقاق مصيري: فهل سيكون منصة لإعادة الاعتبار للحركة النقابية والفئات الشعبية في صناعة القرار؟ أم مجرد محطة أخرى لتكريس الإقصاء؟ إن إعادة ترتيب المجلس الوطني على أسس ديمقراطية وتشاركية، تضمن تمثيل العمال والنساء والشباب والاتحادات الشعبية، ليست مطلباً تنظيمياً فحسب، بل ضرورة وطنية لضمان أن السياسات التي تُرسم تعكس هموم وقضايا الشعب بأكمله، لا فئة دون أخرى.
إن مشاركة الحركة النقابية في صياغة السياسات العامة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، تعني إعادة بناء جسور الثقة بين المواطن ومؤسساته الوطنية، وإحياء المنظومة الديمقراطية الداخلية التي تآكلت بفعل الانقسام والتهميش. فالنقابات ليست مجرد أطر مطلبية، بل هي قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية قادرة على دفع عجلة التنمية وحماية الحقوق، إذا ما أُعيد لها دورها الطبيعي في عملية صنع القرار.
ختاماً، أؤمن أن مستقبل فلسطين لن يتحدد فقط بساحة المواجهة مع الاحتلال، بل أيضاً بقدرتنا على بناء جبهة داخلية موحدة، تنسج توازناً بين العمل السياسي المقاوم، والرؤية الاقتصادية المستقلة، والحماية الاجتماعية الشاملة. المجلس الوطني، إذا ما أُعيد ترتيبه بشكل ديمقراطي عادل، قد يكون بداية الطريق نحو هذه المعادلة، ونحو استعادة الأمل من قلب الخطر
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017