الرئيسية / مقالات
كيف تتخلص من المشاعر السلبية ؟
تاريخ النشر: الخميس 18/02/2016 09:31
كيف تتخلص من المشاعر السلبية ؟
كيف تتخلص من المشاعر السلبية ؟

 كتبه : د. أكرم عثمان   

مستشار وخبير دولي في التنمية البشرية

Akrammisbah44@yahoo.com

 

يظن الكثير من الناس أن الصراحة في التعبير عما يحس به ويشعر أمر مهم ، ويريح الشخص ويخرجه من الهم والغم والكآبة والتوتر والضغط ،،،، بغض النظر عن الطريقة والأسلوب الذي يعبر بها عن مشاعره وأحاسيسه ، فمن الأمثال العربية الدارجة " أنا أقول للأعور أنت أعور في عينه " ، " اللي على لساني أقوله بدون خوف أو خشيه من أحد " ، " تفضح ولا تسطح "  ، ويردد البعض أنني لا أخشى أحداً عندما أبوح بما في داخلي ،،،، أود أن أتوقف قليلاً لمناقشة هذا المفهوم الذي يعتبر البعض صحته ،،،، هل تعتبر هذه السلوكيات والتصرفات مناسبة ؟  ما هي ردة فعل الطرف الآخر عندما يسمع النقد والتجريح السلبي الموجه إليه ؟ كيف تترك أثراً سلبياً عنده ؟ و ما هو مستقبل العلاقات بين البشر عندما نتحدث ونتصرف بهذا الشكل دون الالتفات إلى شخصيتهم واحترامهم ؟ .

 كل هذا التساؤلات تحتاج منا إلى إجابات موضوعية وإيجابية تقدر وتقيم وزناً لكل أطراف الحوار والمناقشات مجتمعة ،،، ذلك أن من عناصر الاتصال الفعال وجود مرسل ومستقبل ورسالة يؤديها وأسلوب مناسب لتوصيلها والتأثير فيها ،،، فأنا لا أستطيع أن التفت إلى نفسي عندما أبوح بمشاعري بغض النظر عن الأسلوب الذي أعبر به ،،،، فالناس تتعامل عندما تكون مضغوطة ومتوترة بطريقة النقد السلبي الجارح بغض النظر رضي الآخر أم غضب ،،، على الرغم أن هذه الأساليب ليست صحية أو ذات منفعة تعود على صاحبها بشيء ،،،، إلا التعب والخصومة والعداء المستحكم في أطراف العلاقات الاجتماعية ،،،، وربما تقود إلى الخسارة و الهلاك والدمار وإزهاق الأنفس والأرواح من جراء صراحة لم تكن في مكانها الصحيح ،،،  فتجلب المتاعب والدوار المزمن وتأنيب الضمير بعد فوات الأوان .

تسعى المؤسسات والشركات والأفراد المتميزون إلى الاهتمام بالآخر عند التعامل معه ،،،، خصوصاً أننا لا نعيش في كوكب آخر نفصل أنفسنا عن المحيطين بنا ،،، لكي نتصرف كيفما نشاء ، وفي أي وقت فيه نشاء ،،، الحياة الناجحة والراقية قائمة على الصحة الجسمية و النفسية وبناء السمعة والعلاقات الجيدة ،،،، فالأمر يحتاج منا إلى استراتيجيات مهمة قائمة على الديمومة والاستمرارية في الحياة دون عراقيل وأزمات تفتعل دون حساب أراء ومشاعر الآخرين .

إن المشاعر الحقيقية التي نبوح بها لا تعتبر سوية وصحية ، إلا تلك التي تركز على الجرأة الاجتماعية واحترام الطرف الآخر ،،،، دعونا من تجاهل الآخرين وإلغائهم من معادلة الحياة ، فهم موجودون معنا ويشكلون وجود بالغ الأهمية ، لا نستطيع أن نخرجهم من قطار ومشوار الحياة ، وندعي أننا الموجودون فيها دون غيرنا ، بل لهم أثرهم وبصمتهم ووجودهم .

إذا أردنا أن نعبر عن مشاعرنا وما بداخلنا ،،، لا بد من التركيز على احترام شخصية الآخرين وتبجيلهم ،،، وأن نقدم نقدنا على السلوك الذي يحدثه الآخر دون تهميش أو التقليل من الشخصية والنيل منها ،،،، كأن نقول له " ما شاء الله عليك يا فلان ،،، أنت شخص لديك إيجابيات في كذا وكذا ،،،،  أود أن تركز وتأخذ الاهتمام في فعل كذا يكون شيء رائع وجميل منك ،،، خصوصاً أن الكلام اللي تكلمت به جرح مشاعري وسبب لي حرج كبير أمام الناس ،،، وأنا أتصور إنه الكلام اللي تكلمت به لو أنا تكلمته ربما غضبت وأخذت مني موقف سلبي " .

إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل " ،،،، فقد امتدح عليه السلام الشخص وأكد جوانبه الايجابية ،،، وانتقد السلوك وهو عدم قيام الليل لما له من فوائد عظيمة وجليلة ،،،، إن كل المشكلات والأزمات المفتعلة مع الآخرين سببها الأساس انتقاد شخصية الطرف الآخر والتقليل من مركزة وكرامته ،،، مما يجعله يشعر بالمهانة والذلة ، فنراه يدافع عن نفسه ومركزه ، وتكون ردود الأفعال لديه قوية وتعامله مع المواقف التي يتعرض لها غاية في القسوة ،،،، وفي نهاية الأمر وبعد فوات الأوان ، نردد الكلمات المعهودة والتي نقولها دائماً  " يا ليت ما تكلمت بكلمة ولا فتحت فمي " ،  "  يا ليتني كنت أخرس ولا قلت اللي قلته " ،،،، وبعد دمار روما ،،،، تشعر بالأسى والمرارة من علاقات مدمرة ونفوس تشعر بالكراهية والنفور مما نقول ،،،، " وكأنك يا أبو زيد ما غزيت " .

في الختام أقول :- أن التخلص من المشاعر السلبية مهم وذات أثر إيجابي وقوي وله فوائد صحية ونفسية واجتماعية وإدارية جيدة ،،، إنما ليس على حساب الآخرين وكرامتهم ،،،أو تدمير الممتلكات بدعوى التفريغ والتنفيس عن المشاعر ،،، فيوجد الكثير من الآليات نعبر بها عن مشاعرنا دون إحداث ألم لمن حولنا أو خسارة ممتلكات أو حدوث ضرر أو خسارة ،،، وذلك من خلال الحوار والنقاش الهادف القائم على المصارحة والانفتاح الايجابي ،التفكير والتأمل في الموقف وإعادة النظر في الموضوع أو المشكلة، كتابة الخواطر والأفكار والمشاعر التي تشغلنا  ، الرسم الحر، و ممارسة الرياضة المختلفة وغيرها من الأساليب المفيدة بعيداً عن نكد الحياة وتنغيصاتها المرة ،،، إن التصالح مع الذات والآخرين يتطلب منا أن نخرج همومنا وتوترنا وغضبنا بأسلوب حضاري ،،، يحافظ على السواء النفسي والعلاقات الاجتماعية المتميزة مع الأشخاص والمؤسسات ،،، لتبقى حياتنا مليئة بالسعادة والتفاؤل والأمل ، ونتمتع بالنجاح الإداري والتماسك في المؤسسة ، الأسرة ، والمجتمع ،،،،، دمتم سالمين

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017