الرئيسية / مقالات
وكلاء الدم.. الحرب بدماء الغير على أراضي الغير
تاريخ النشر: السبت 16/07/2016 11:48
وكلاء الدم.. الحرب بدماء الغير على أراضي الغير
وكلاء الدم.. الحرب بدماء الغير على أراضي الغير

كتبت: أميمة صوالحة

الدول هي كائنات حية عضوية لها أطوار نمو وأعمار افتراضية ومراحل عمرية تمر بها ولكل مرحلة استحقاق عمري وتصرفات وظروف تنطلق من التغيرات والاختلافات التي تصاحب عملية النمو هذه.

 

ومن أبرز مراحل النمو هي ( مرحلة الامتداد الجيو اقليمي ) حيث تعتبر هذه المرحلة هي السابقة لمرحلة الامتداد والتوسع الامبراطوري العابر للقارات ففي البداية تتوسع الدول القوية او تلك التي تقوم ببناء قوتها اقليميا وفي محيطها المحلي ثم تشرع بالتوسع العالمي اما بفرض  النفوذ او الاحتلال العسكري المباشر.

 

كل الدول القوية أنشأت لنفسها مجموعات مساندة من خارج حدودها تدين بالولاء السياسي أو الايديولوجي لها بهدف جعل هؤلاء قوة ضاربة في عمق عدو محتمل أو منطقة صدمة وإمتصاص لمواجهة هجوم محتمل, هذا ما رأيناه في فارس والروم بعلاقتهم بالغساسنة والمناذرة , والاتحاد السوفيتي السابق وعلاقته بالحركات الشيوعية العالمية او حتى بعض الدول في حديقة الولايات المتحدة الخلفية مثل كوبا وغيرها من الدول الشيوعية او اليسارية.

 

ايران دولة في طور التقدم والنمو الاقليمي فهي تملك جيشا قويا ونظام تسليح وطني بجزء لا بأس به وموارد طبيعية ونفطية ممتازة وقوة بشرية معبأة ايديولوجيا وموقع استراتيجي بالغ الأهمية برا وبحرا وطموح قومي بإعادة مجد امبراطورية عظمى.

 

كل هذه العوامل جعلت من التوسع الايراني في المنطقة حتميا لا سيما في ظل وجود انظمة فاسدة ومرتبكة تستمد شرعتها لحكم شعوبها من الخارج عاجزة عن الابداع التقني والتسلح الذاتي وليس لها اية وزن يذكر في السياسة العالمية.

 

 بهذا أصبحت ايران قوة اقليمية لها حساب ووزن دولي ومن هذا المنطلق أرادت ايران ان يعترف العالم بها لاعبا اقليميا له كلمته ووزنه وخاصة بعد تماسكها في حرب الخليج الأولى التي أرادتها الولايات المتحدة ان تكون حرب احتواء مزدوج لتدمير طرفي الصراع العراقي الايراني – وهذا ما نجحت فيه الى حد ما – بإضعاف العراق بشكل كبير وكذلك ايران.

 

إيران واصلت التقدم ببطئ لكن بثقة وثبات شديدين صوب بناء مكانة اقليمية معتبرة في المنطقة وقامت مثلما تقوم به كل قوة اقليمية تقليدية وهو خلق مناطق نفوذ بتجنيد وكلاء يؤدون دور وكيل المصالح , القومية لم تكن خيرا مطروحا حيث ينحصر الوجود الفارسي في ايران ومنطقتها الخلفية في حين تخلو منه ساحتها الأمامية – الشرق الأوسط – حيث أن الأغلبية الساحقة هم من العرب فلا سبيل للعب بورقة القومية , ولم يكن كذلك الاعتماد على الأكراد مطروحا بسبب ان هؤلاء لهم طموحهم الإقليمي القومي الخاص كما انهم ليسو قوة موحدة ولا روابط تاريخية بينهم وبين ايران , كما ان النظام الثيوقراطي الايران لم ينظر بعين الرضا الى ميول البشمركة – قوات الحماية الكردية – اليساري أو الى علاقتهم المتينة مع اسرائيل النابعة من عدائهم لنظام صدام حسين.

 

الورقة الأبرز هي الورقة الدينية الطائفية حيث ينتشر الشيعة وبالذات الامامية في العديد من البلدان العربية الآسيوية مثل العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية وسوريا ولبنان بلإضافة الى بعض طوائف الشيعة الأخرى التي نجحت ايران في احتوائها لاحقا مثل النصيريرة – العلوية – في سوريا والزيديين في اليمن والدروز في سوريا ولبنا حيث يعتبر هؤلاء الأخيرين من الفرق الباطنية التي خرجت من العبائة الامامية الاثنى عشرية في العصر العباسي المتأخر.

 

ايران سعت الى مد نفوذها لشيعة العراق بعد حرب الخليج الاولى لكن نظام صدام حسين الامني القمعي اجتث تلك المحاولات بمنتهى الوحشية وحجم النفوذ الايراني في شيعة العراق لاسيما بعد ثورة البصرة الفاشلة عقب هزيمة الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية وسحقها بمنتهى الوحشية وعمل على التنكيل بكل من تجرأ على التواصل مع ايران من شيعة العراق.

 

في تلك الفترة وما قبلها كانت ايران تعمل في ساحة أخرى اكتسبت فيها وجودا نوعيا استراتيجيا لا يقدر بثمن , انها لبنان التي كانت غارقة في الفوضى والحرب الأهلية وأصبحت موطئ قدم لكل وكلات الاستخبارات في العالم الي صنعت جماعات وأحزاب موالية لها , نجحت ايران في التواصل مع الإمام موسى الصدر الذي كان يتمتع بنفوذ واحترام كبيران في الاواسط الشيعية اللبنانية ليؤسس حركة ( المحرومين ) ونجح بجعلها نواة تكاثف للقوة الشيعية المشتته في دوائر الصراع اللبناني.

 

تطورت حركة المحرومين لتحمل اسم حزب الله اللبناني الذي نجحت ايران بدعمه وتدريبه وتسليحه ليشن حرب عصابات ضد الاحتلال الاسرائيلي أسفرت عن هزيمة اسرائيل وفي الوقت نفسه خلق شعبية واسعة جدا لحزب الله الذي أصبح أيقونة لمقاومة الاحتلال وبالوقت ذاته وكيل ايران في لبنان حزب الله – وبدعم من ايران – حاول مد النفوذ الايراني لحركات المقاومة الفلسطينية التي دعمتها ايران عن طريق الحزب فنجحت باستقطاب بعضها مصلحيا لتزيد بذلك من أوراقها الرابحة في السياسة الاقليمية وهي القدرة على تهديد أمن اسرائيل التي تعتبر الحليف الأول للغرب ووكيل مصالحه في المنطقة وكانت هذه ( ضربة ملعم ) ايرانية وهي تهديد امن اسرائيل بقوة موالية لايران على اراض غير ايرانية  بدماء غير ايرانية.

 

مع سقوط العراق اصبح المجال واسعا أمام ايران لتتمدد في العراق ولتنشئ كيانا شيعيا مواليا لها تمثل في جيش المهدي ومقتدى الصدر الذي حاول التشبه بتجربة حزب الله حتى بالمظاهر والأشكال وبأسلوب الخطاب نفسه ولربما بدافع من دوائر القرار الايرانية لاستثمار شعبية حزب الله والاحترام البالغ الذي حظي به.

 

وهنا نجحت ايران في خلق كتلة شيعية متماسكة وقوية في جنوب وشرق العراق هدفها خلخلة الوجود الامريكي وتغير الواقع الديمغرافي لمصلحة ايران بتكثيف الوجود الشيعي تمهيدا لربطه بها وخلق منطقة صدمة وامتصاص لأية حرب أمريكية أو عربية تنطلق من العراق حيث ستقاتل ايران أمريكا وأية قوات عربية حتى آخر شيعي عراقي وحتى أخرمنزل ومنشأة في الجنوب العراقي.

 

اشتعلت الثورة في سوريا في ظل علاقة حميمية بين ايران وسوريا الهدف منها خلق نفوذ ايراني في منطقة البحر الابيض المتوسط في محاولة ايرانية للخروج من الحصار الدولي , الثورة السورية اتخذت طابعا سنيا حيث حاولت الأغلبية السنية الخروج من نير حكم الاقلية العلوية الشيعية التي حكمت بالعسف والقهر لأكثر من أربعين سنة عن طريق حزب البعث.

 

هبت ايران للدفاع عن مصالحها وتعميق نفوذها في سوريا فقامت بتشكيل المليشيات الشيعية الموالية لها بالدرجة الاولى مثل مليشيات الفضل ابو العباس وحراس مقام السيدة زينب والجيش العلوي بلإضافة الى انها زجت بورقتها المفضلة – حزب الله – الذي اصبح بمثابة رأس حربة القوة الايرانية  وقوات التدخل السريع في سوريا.

 

عن طريق دعم الأسد والعلويين والمليشيات الشيعية أصبحت سوريا منطقة نفوذ ايرانية بل وأصبح بشار الأسد نفسه تحت الحكم الايراني وبالتالي كسبت ايران ارضا جديدة بدماء غيرها فلم تخسر شيئا لقاء نفوذها الضخم في سوريا سوى دماء غيرها من الشيعة العرب والعلويين.

 

تقوس الهلال الشيعي أكثر ليمتد صوب اليمن ويطال الشيعة الزيدين اللذين هم أقرب طوائف الشيعة الى السنة لكن ايران نجحت باستغلال الاوضاع الصعبة التي يعانون منها ورغبة علي صالح بالعودة الى الحكم في بسط نفوذهم على اليمن ومحالولة تطويق الخليج من ثلاث جهات حيث تقدم الحوثيون تقدما سريعا وكادوا ان يسقطوا الرئيس هادي او اسقطوه فعليا لكن عاصفة الحزم قلبت الموازين فلو ام تكن لاستطاعت ايران السيطرة على مضيق باب المندب ومحاصرة المملكة العربية السعودية من ثلاث جهات ولربما كانت الخطوة القادمة ستكون تثوير شيعة الخليج والسعودية , لكن فشل الحوثيون ودفعوا الثمن وحدهم ومن دمهم وحده .

وكالة الدم تقتضي ان تنتصر لغيرك وان تهزم لنفسك ان يقطف الآخر الثمرة وان تتجرع العلقم , وهذا ما حصل لكل وكلاء ايران في المنطقة لكن ايران كانت هي الرابح الأكبر فلاحرب على ارضها دارت ولا أبنائها لغير وطنهم قتلو . فالضعفاء يقاتلون وينزفون ويموتون ليحيا لينتصر الأقوياء. 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017