الرئيسية / مقالات
إرهابنا وبراءتهم بقلم انس حواري
تاريخ النشر: الجمعة 18/11/2016 13:12
إرهابنا وبراءتهم بقلم انس حواري
إرهابنا وبراءتهم بقلم انس حواري

منذ عقودٍ خلت والعالم يردد مصطلحات الإرهاب وسبل مكافحته والتأثيرات الكارثية له, لكن اللافت أن كل هذه العقود لم تكن كافية لمحاربي الإرهاب لكي يضعوا تعريفاً واضحاً لما يحاربونه, ولذا لا عجب أن يكون إيقاع تهمة الإرهاب على أحدهم وإسقاطها عن الاخر أمراً مزاجياً ولا ضير أيضاً في أن يصبح حمامةَ سلام من كان بالأمس يوصف بالإرهابي وأن يمسي إرهابياً من كان يوصف قبل ذاك برجل السلام.

لقد أنفق الروس والأمريكان ومن ورائهم العرب والعجم المليارات لمكافحة الإرهاب أو هكذا قالوا، لكن بنظرةٍ سريعة على المناطق التي حُشد لها لمكافحة الإرهاب فيها يظهر ولأي إنسانٍ بسيط جنة الإرهاب التي كانت تنعم بها هذه المناطق مقارنةً بما أفرزته لنا ديمقراطيتهم المزعومة.

غزت أمريكا أفغانستان عام 2001, انتظر العالم حينها مظاهر التحضر والرقي التي ستحل محل مظاهر التخلف والجهل التي خلفتها خمس سنواتٍ عجاف من حكم طالبان, مرت السنون والعالم يترقب ليرى غيث الديمقراطية المنهمر، وأخذ يرتقب البنايات الفخمة التي سُترفع، والصروح العلمية التي ستستقطب العلماء، والشوارع التي ستزدحم بالحسناوات دون أن يقمع حريتهن أحد، والموسيقى التي سيعزفها مبدعو كابل ومطربوها على الطرقات في المساءات الجميلة، والأمن والسلام الذي سيعم، انتظر العالم هذا الغيث فلم يجده فبحث عن قطرةٍ تبشّر بقدوم الخير الموعود وتُذهب ظمأ سنوات التخلف، لكن بعد سنوات اكتشف العالم أن لا غيث انهمر ولا حتى قطرة, لا.. أعتذر بل قطرات وقطرات انسكبت لكنها قطرات أطفال كابل.

كذا الأمر حدث في العراق وفي الصومال من ذي قبل، هذا التورط الغربي في دماء الأبرياء خلق بيئة خصبة للعنف المضاد، مما أدخل المنطقة جمعاء في حروبٍ كارثية تدخل في أورها من نأى بنفسه عنها طوالاً.

يستمر اليوم مسلسل محاربة الإرهاب فيحارب العالم تنظيم الدولة الاسلامية داعش, دون أن يجرؤ أحد عن السؤال عن سبب نشأة هذا التنظيم أو على الأقل عن كثرة الشبان والتشكيلات العسكرية التي انضوت تحت عباءته, لن أتحدث هنا عن جدلية التنظيم ولا عن مؤسسيه ولا عن رؤيته وطموحه أو أجندته وارتباطاته, بل سأركز على قدرته على استقطاب الشبان وحتى الأطفال الناشئين.

 

بدايةً لا بد من التنويه أني ضد هذا الغلو الفكري الذي يحمله التنظيم ومع اجتثاثه من أماكن تواجده كافة, أقول هذا كي لا يساء فهم ما سأطرحه, ما أود قوله أنه بالرغم من رفضنا لهذا التنظيم إلا إنه لا بد من إعادة النظر في طريقة التعامل مع عناصره وضرورة النظر إليهم على أنهم ضحية لهذا الفكر المتغالي, حيث لا يمكن إطلاقاً

تقبل فكرة القضاء عليهم فلا يعقل قتل الآلاف لوقف هذا الفكر ولو حدث لما أمكن ذلك من القضاء عليهم بل سيكون إيذاناً لنشوء الآلاف غيرهم, إنّ دراسة تاريخ هذه العناصر يظهر حجم الإرهاب الذي مارسناه عليهم قبل أن يظهر منهم الذي ظهر، لا أتكلم هنا عن الجميع بل عن نسبة لا بأس بها، لقد تعرض الكثير من هؤلاء الشبان إلى القمع والتعذيب إما بسجون الأمريكان أو بسجون الأنظمة العربية القمعية, الجميع يذكر المشاهد المروعة التي كانت تسرب من سجن أبو غريب, كان الجميع حينها في حالة ذهول من هول الوحشية التي كانت ترتكب بحقهم, لكن أقصى ما كان يحدث في حينه هو الدعاء لهم لدقائق معدودة ثم يعود كل إنسانٍ إلى الحياة خاصته وكأننا أوفيانهم حقهم, لماذا لا نعترف إذن أنّ من البديهي أن يصبح هؤلاء الأشخاص  ناقمين على الجميع ومستعدين للتحالف حتى مع الشيطان نفسه للانتقام من المجتمع.

لم ينتهِ الأمر عند ظلم البعيد بل بات الكثير مستهدفا عند ذوي القربى بتهمةٍ تفوق مرارتها مرارة ما يلاقيه من عذاب, يُعتقل أحدهم باسم أمن الوطن ويصبح منبوذا  في وطنٍ كان أقسى من أن يحن, وأضيق من أن يتسع.

 

لا زلت أذكر تلك القصة التي سمعتها من أحد النشطاء السوريين في بداية انطلاق ثورتهم, عن عجوزٍ مع ثلاثة أبناءٍ له كانوا في سجون الأسد، صدر بحقهم حكمٌ بالاعدام وتم تخييرهم لينجو واحد منهم فقط, هل فكرت يوماً أن تحيا على جثة أخيك؟ هل فكرت أن تعيش حياتك الطبيعة وأنت تتذكر كيف سمحت لك أنانيتك بالخروج وحدك؟ يكمل الناشط القصة بدموعٍ أدمت مقلتيه فبعد المشاورات قرروا الإبقاء على الشاب الأصغر كونه لم يرى شيئا من الحياة بعد، لكن كان القرار بإعدام الأبناء الثلاثة وترك الأب العجوز كي يموت حزناً وكمداً عليهم, هذا كله قبل اندلاع الثورة، فأي إرهاب ذاك الذي ندينه وأي عنفٍ نخشاه بعد ذلك, بعد اندلاع الثورة كانت قصص الإجرام أعمق من أن تصفها كلمة أو يتصورها عقل لكن الوجع لا يتوقف عند الإجرام الممارس من قبل الطغاة، بل الوجع الأعظم عندما ترى الحياة تسير على طبيعتها عندما تتعرض للضيم, إنّ عالماً لا يشعر بالاهانة عندما تمارس على أحد أبنائه لهو عالمٌ يستحق كل ما سيحصل له.

بالعودة إلى سبل مكافحة تنظيم الدولة داعش، كيف يمكن لمحاربي الإرهاب التعامل مع طفلٍ يبلغ 12 عاماً ضُبط في كركوك في لحظاته الأخيرة قبل تفجير حزامٍ ناسف زنّر وسطه الطري، ما الحل إذن مع هذا الطفل هل يُقتل أم يُرمى في غياهب السجون ليُسام ألوان العذاب فيخرج علينا بعد سنوات بفكرٍ أكثر تطرفاً؟ إنّ هذا العالم لو كان يمتلك ذرة إنسانية لأوقف حروبه كافة بعد هذا المنظر وإنّي على قناعةٍ تامة أنّ هذا الطفل يملك حق محاكمتنا، فهو ضحية إرهابٍ فكري وضحية تقصيرٍ من الجميع، إني على ثقة لو أنّ ذات الطفل في بداية تأثره بالفكر المتطرف بدأ بنقاش الدائرة المحيطة به، لقوبل بقمعٍ فكري مخيف بدلاً من تقويم اعوجاجه الفكري بالمنطق والاقناع.

الغزو الغربي إذن والقمع الأمني الذي مارسته الأنظمة القمعية كان السبب الأول في تبلور الفكر المتطرف ومن ثم بدأت حالات العنف والعنف المضاد ليتسع معها زحف البركان الذي أتى على كل محاولات العقلانية والسلام.

 بعد ثورات الشعوب العطشى للحرية ظهر جلياً ظلم عشرات السنين، هذا الظلم لم يقتصر على صوره التقليدية بل كشف إجراما فكريا صنعته الأنظمة العربية بحق شعوبها فَغُّيب المنطق وحُرم الشعب من حقه في الوصول إلى الحد الأدنى من الوعي.

قبل مدة ليست بالبعيدة شاهدت مقطع فيديو يظهر فيه مسلحون يهاجمون حسينية للشيعة, كان المنظر داميا, شعرت حينها بذاك الأب الذي قتل المسلحون فلذت كبده بين يديه، كيف سيغفر؟ كيف سيقتنع محبو هذا الطفل بالسلام؟ أليس من البديهي أن يحقدو على كل من هو سني, نعم قد لا يكون ذنب للسنة في التفجير لكن من سيقنع الأم المكلومة؟ لذا أقول بأنّنا جميعاً ضحية، ضحية أناسٍ لا نغدو بنظرهم أكثر من أحجار شطرنج عفنة يحركونها كما يشائون ولا عجب أن يشربوا كوباً من القهوة الساخنة وسط تبادل الضحكات بعد انتهاء لعبتهم، كل هذا تحت مصطلح السياسة.

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017