الرئيسية / مقالات
إضراب الاسرى.. بين الفردي والجماعي بقلم نبيل دويكات
تاريخ النشر: الجمعة 02/06/2017 08:46
إضراب الاسرى.. بين الفردي والجماعي   بقلم نبيل دويكات
إضراب الاسرى.. بين الفردي والجماعي بقلم نبيل دويكات

أعترف الآن فقط أنني ترددت في الكتابة حول موضوع الإضراب عن الطعام تحديداً على مدار عدة سنوات سابقة، وأقصد تحديداً الاضرابات العديدة التي خاضها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال خلال السنوات الأخيرة. ولعل السبب الأهم لترددي يعود الى الصراع المستمر في الذهن والعقل بين القناعة التامة بأن النقد البناء الهادف هو أحد أهم المداخل من أجل تحسين وتطوير الأداء، وبين فكرة الكتابة جهراً، وربما على مرأى ومسمع عدو لا يتوانى عن تصيّد أي نقد وابرازه بصورة هدامة ومدمرة. الحساسية العالية في موضوع إضراب الأسرى تحديداً تكمن في أنه يتناول ربما اكثر وأعظم درجات النضال والعطاء والتضحية، وهي الحلقة الرئيسية التي يعمل العدو على تحطيمها، والتي يخوضها الأسرى الفلسطينيون في سبيل تحقيق مطالب تمس بالدرجة الاولى وجودهم وكرامتهم كمناضلين وطنيين، اضافة الى سعيهم لتحسين ظروف وشروط حياتهم داخل معتقلات الاحتلال.
كمدخل لكل الموضوع فإنني سأتناول زاوية واحدة فقط، وهي تلك المتعلقة بالفارق بين الاضراب عن الطعام كعمل فردي او كعمل جماعي. فقد شهدنا على مدار السنوات الماضية عدد كبير جداً من الاضرابات الفردية عن الطعام، التي خاضها بصورة فردية أسرى فلسطينيون من اجل تحقيق مطالب عديدة. بل إن بعض هذه "البطولات" الفردية وصلت حد أرقام قياسية عالمية في الاضراب عن الطعام في تاريخ البشرية، وسجل سامر العيساوي مثلا رقماً قياسياً تاريخياً بإضرابه عن الطعام استمر لمدة (289) يوماً. وهناك أمثلة كثيرة عن بطولات فردية، لا مجال لحصرها في هذه المقالة.


ورغم إدراكنا جميعاً لحجم التضحية والعطاء في هذه التجارب الفردية. الا ان التساؤل الخفي الذي ظل حبيس الذهن طوال فترة طويلة فهو: هل فقدنا القدرة على العمل الجماعي؟ وهو سؤال مشروع في سياق صراع قائم، وسيبقى دائماً، بين فكر ومنهج يرى في العمل الجماعي أحد أهم أسس تحقيق النصر وإنجاز الأهداف، وبين فكر ومنهج يائس وبائس يرى الحل فقط في الخلاص الفردي، ولا اقصد هنا فيما يتعلق بالأسرى حصراً، وانما في الحالة العامة في مجتمعنا بشكل عام. ورغم ان تجارب الإضراب الفردية لم تنبع بالأساس من فكرة اليأس او الإحباط من العمل الجماعي العام، والبحث عن خلاص فردي لصاحبها فقط، بل ربما بالعكس كانت نابعة أساساً من "حُرقة" فردية عالية على الوضع العام، ومحاولة لكسر حلقة التراجع العام عبر قيام عدد من الاسرى بخوض إضرابات فردية دون الاكتراث حتى بالموت في سبيل ذلك. وكثير من الإضرابات الفردية مثلاً كان هدفها "كسر" سياسة الاعتقال الاداري التي يمارسها الاحتلال. الا ان الاطار العام كان يؤشر دائماً الى ضعف وتراجع الأداء العام، رغم هذا الاستعداد الفردي العالي للتضحية.
امام هذا التسلسل كان السؤال المثير للقلق دائماً: هل انتهت الحركة الأسيرة كحركة جماعية تجسد معاني المقاومة والنضال في وجه ظلم الاحتلال وتعسف سياساته؟ وهل تقلصت التجربة الطويلة والغنية للحركة الأسيرة الى افراد او مجموعات صغيرة لا زالوا يحملون الفكرة؟ او يحلمون بها؟ قائمة طويلة من الأسئلة والتساؤلات التي أثارها بعضنا بينه وبين نفسه بهدف ودافع من القلق والحرص، وربما أثارها وناقشها آخرون لأهداف ودوافع أخرى.


صحيح انه من المبكر الحديث عن نتائج الإضراب الجماعي الأخير الذي خاضه الاسرى الفلسطينيون ابتداء من السابع عشر من نيسان واستمر لمدة اربعون يوماً متواصلة الا ان الدرس التمهيدي لخلاصة التجربة هو كسر حدة الأسئلة والتساؤلات التي ذكرتها أعلاه حول وجود الحركة الاسيرة كحركة جماعية منظمة اولاً، بل ربما كسر فكرة الفردية والخلاص الفردي من أساسها، وانعاش فكرة الجماعة والعمل الجماعي وإعطائها دفعات قوية الى الأمام ثانياً ، وبالتالي كسر بعض "المسلّمات" التي عايشناها خلال السنوات الأخيرة، وتحفيز واستقطاب فئات وشرائح واسعة من المجتمع واستعادة ثقتها بقدرتها على الانتظام والعمل بصورة جماعية ثالثاً.
خلاصة القول ان إضراب الأسرى الاخير، وبدون الخوض حالياً في تفاصيل او نسب ما حققه من انجازات بانتظار التقييم الشامل له من الحركة الأسيرة نفسها اولاً، فإن أهميته تكمن في القيمة المعنوية له، في انعاش فكر ونهج العمل الجماعي، واخراجها من سبات التراكمات السلبية التي تركها الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المعقد عليها. تلك الآثار التي لم تقتصر على طريقة تفكير وأداء الحركة الاسيرة فقط، وانما على مجمل قوى المجتمع ومنظماته، وهو ما كان يغذي باستمرار نزعة الفردية كخلاص وملاذ وحيد. وعكس نفسه في استمرار وتمدد نزعة الانقسام والتجزئة في مستويات ومجالات كثيرة. وأثبت الاضراب الاخير ان الفردية والتجزئة والانقسام ليست قدراً محتوماً لا يمكن الفكاك منه. بل هو تحديداً ما يجب علينا الخلاص منه اذا اردنا البحث عن حلول ومعالجات واقعية ومنطقية بعيدة المدى لواقع صعب ومعقد.

نبيل دويكات
رام الله-1حزيران 2017
 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017