الرئيسية / مقالات
في المخيم، التمدد إلى السماء فقط
تاريخ النشر: الثلاثاء 23/01/2018 16:20
في المخيم، التمدد إلى السماء فقط
في المخيم، التمدد إلى السماء فقط

كتبت: تسنيم ياسين، أصداء
لا يمكنك الاسترخاء في المخيم، ولا السير بسماعة في أذنيك ووجه مرتاح ببطء، ولا أن تستنشق رائحة ورد في الطرقات، فخمسة أطفال يلعبون بـ"الجلل" يسقطونها في حُفَرِ الشارع المتعددة لن يقبلوا أن تتلف لعبتهم براحتك.
لا تسع أزقة المخيم ترفك في الحياة، فلن تقبل أن يرتفع كرشك المترف ولن تسمح لك بالمرور من خلالها، هي في ضيقها ذلك أصدق الصارخين: فيا أيها المهجر المنسي في غربتك ووحدتك لا يمكنك أن تغرق في ترفك وتنسى أنك ما زلت غريباً حتى وإن مر على تهجيرك 70 سنة!
ويا أيها القادم من خارج المخيم لن تمر لأنك كما ساكنيّ ستظل غارقاً في خيبتك طالما هناك من يستطيع أن يوقفك، وبإشارة يد منه يتحكم بك، لا تنخدع بأنك تملك بيتاً وتقاتل أخاك على ساحة البيتين أيهما لك، فصاحب الإشارة سيغضب يوماً ويحيلك على قارعة الطريق أنت وهو.
وجوه المخيم متعددة الألوان، لكنها تشبه بعضها في شيء لا يمكنك إدراكه ببساطة وأنت القادم من ترف المساحات، رغم أنك ساخط عليها، لكنها لا يمكن أن تشبه الأزقة الغارقة في رطوبتها.
لكل وجه من الوجوه المختلفة المتشابهة بشيء ما قصة ربما لا تتعدى السطرين لكنها شكلت حياة صاحبها، فأن تعيش ببيت بنفس الجدار مع جارك حياة، وأن تعرِّف نفسك أمام الواهمين بالوطن أنك من أصحاب البيارات الراحلة والحواكير التي أحيلت اليوم مدرسة لأصحاب الجدائل، قصة أخرى.
حكاية الطريق وجدها فريق أصداء في مخيم بلاطة عند أم الأسير خالد حنيش، التي لم ترهق نفسها بحفظ أرقام قرارات الأمم المتحدة وألوان أعلام دول الاتحاد الأوروبي وأسماء وزراء ومسؤولين، لكنها تعرف جيداً أنها من قرية كانت تسمى إجزم قضاء حيفا.
"مضى عليه 16 سنة وولداه الآن معتقلان، تركانا أنا وأمهما وأختهما وحدنا بعد أن تشاجرنا مع الجنود في زيارة خالد ومنعونا من الزيارة. كانت الأيام سابقاً أفضل والناس كانت تحب بعضها أكثر، كان المقاوم تحميه كل البيوت والأزقة لكن اليوم المقاوم يهرب حتى من القريبين".
"قتلت بشار وبسمان الغاليين عليي... كانوا زغاليل في حضني وفروا من إديي، برصاص لعين طخيتهم لحزنوا عليي، الله يحيي المعتقلين والشباب المصيوبين، يا نيالو اللي استشهد برصاصك يا إسرائيل، اللي استشهد نيالو كل المجد بحلاله"
هي أم بشار وبسمان الشنير من مخيم عسكر القديم، وجهها مألوف وصورتها على التلفاز لكن حزنها يوماً بعد يوم يتفجر ويزداد نزيفه، تصبر نفسها بأحقية فلسطين، ولكنها تعاود البكاء وتكرار الكلمات نفسها: "جابولي إياه مذبوح هيو هاي صورته_تشير إلى صور بشار_ صرلو 18 سنة غايب عني، لحقوا بسمان شب صغير، كل المخيم ولادي وكلهم بناتي، ياريتني أستشهد مع ولادي".
العيش في المخيم تحدٍّ صعب، أن لا تملك مكاناً لتفتح شباكاً يدخل الشمس على منزلك شيء لا يمكن تحمله، ما عاش فيه اللاجئون من النكبة والنكسة منذ عام 1948 و1967 اليوم أبناؤهم يعيشون فيه نفسه، فغير مسموح لهم التمدد سوى إلى السماء فقط، أن تعيش في المخيم ليس عادياً.

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017