الرئيسية / مقالات
يوسف عمران ، ثوري بدماء فلسطينية
تاريخ النشر: الثلاثاء 06/09/2022 07:01
يوسف عمران ، ثوري بدماء فلسطينية
يوسف عمران ، ثوري بدماء فلسطينية

كتب محمد فراج

نشأة يوسف عمران

في يوم من ايام شتاء فلسطين من عام 1947 وبعد عدة مجازر قامت بها العصابات الصهيونية مثل منظمة شتيرت ارغون البالماخ وهاغانا ومهما احصينا من هذه المنظمات والعصابات ووحدات الجيش الاسرائيلي الذي تم تسليمه من القوات البريطانية المتواجدة اثناء انتدابها في فلسطين
ومهما احصينا هناك من شارك ف تلك المجازر المرعبة في حق السكان العزل الامنيين وما حدث من هدم للبيون والمعابد مسلمة ومسيحية، في اخر سنتي 1947-1948 من اقصى شمال فلسطين شعشع صفد الى شمال شرق غزة ولد هذا الطفل الفلسطيني يوم 25-1-1947 مشي وترعرع في قرية من قرى فلسطين قرية اسمها عزون تقع شرق قلقيلية وغرب نابلس في هذه الظروف تلك الطفولة المملوءة بالاواجع والقهر والفقر والحرمان طفولة عايشها عمران هو واقرانه من نفس الجيل وكثير من الحالات النفسية للمقهورين والمحرومين تساعد في خلق شخصسة عنيدة محبة للوطن والدفاع عنه ومنتمية للطبقة المسحوقة والمظلومة من شعبه هكذا تبلورت شخصية هذا الطفل لاحقا الى ان اصبح طيارا مقاتلا عنيدا

مذبحة الجيش الاردني في عزون 1951-1952
كثيرة هي الاحداث التي تحدث في الطفولة ويبقى تاثيرها سلبا ام ايجابيا كونها مغروسة في العقل الباطني للانسان كان تاثير تهجير الفلسطينيين من ارضهم ومدنهم وقراهم سنة 1948 اثر على احوال الناس المادية قاسيا جدا جدا حيث ان العالم باسره كان خارجا من الحرب العالمية الثانية والجوع كافرا بكل معنى الكلمة... ادى ذلك الى تشكيل مجموعات من الشبان يغامرون بارواحهم ليتسللون الى قراهم ومزارعهم وبيوتهم يجلبون منها ما استطاعوا من مؤن وممتلكات حتى تطورت الامور لجلب ابقار وغيره من ممتلكات عدوهم، زادت الجرأة وتم القفز عن حاجز الخوف لدى الشباب وأصبحوا يفكرون باقتناء السلاح من خلال بيع ما يجلبون لشراء قطع من السلاح تحميهم ... بعد ان خذلت الجيوش العربية المنسحبة بعد تثبيت خط الهدنة مع العدو وتركهم بلا اسلحة شعبا اعزل.
في تلك الفترة تصعد ظاهرة جديدة اطلع عليها ظاهرة المتسللين (من يتسلل الى قراهم خلف خطوف الهدنة التي اقامتها دولة الاحتلال مع الاردن)
وكما ورد في كتاب كان يا مكان للكاتب محمود درويش صفحة 16 كان من عزون مجموعتين مجموعة محمد حسين عدوان ومجموعة محمد عبدالله عيسى الملقب بمحمد الطبل
كان لهن نشاطا مميزا عدا عن التسلل فقد تطور الى اشتباكات ووقع منهم شهداء من البلدة وتم معرفة عناوينهم من قبل المحتل الذي كان يستخدم اسلوب الانتقام الجماعي في البلدة كاملة ... مرت الايام وانظمنت هذه المجوعات الى الفدائي (مصطفى حافظ) ضابط مصري في قطاع غزة كان يقود العمل الفدائي في زمن زعيم مصر الذي قاد انقلاب على ملك مصر الملك فاروق 1052 وهو جمال عبد الناصر عكلت تلك المجموعات في التنسيق بينها وبين العاملين في الضفة وعلى أثر اعمال تلك المجموعات قامت وحدة عسكرية صهيونية بمهاجمة قرية عزون واصطدمت بمعسكر للجيش الاردني
في اول القرية من جهة الشمال في موقع (الواد الشامي) وباختصار تم ذبح الفصيل الاردني بالسلاح الابيض ونجا منهم من نجا وفي نهاية العملية تم التعامل مع قوة العدو والمهاجم من مجموعة الرشاش المتوسط (برث) وتم اصابة ضابط صهيوني وتم فرار القوة المهاجمة تاركين الضابط الجريح ورائهم تحت عبارة المياه على طريق جيوش شمال القرية حيث تم العثورعليه في صباح اليوم الثاني بعد ما قامت القوة الاردنية المتبقية واهل القرية بتفتيش ريق انسحاب العدو وتم تسليمه للصليب الاحمر واعادته للعدو.
بينما كان يوسف عمران يتحدث بصوت مليئ بالقوة تغيرت ملامحه وخفت صوته وكأنه يتذكر حادثة راسخة في ذهنه الى اليوم اثارت فيه مشاعر الحزن التي ظهرت على وجهه وصوته أشعل سيجارته واحتسى فنجان قهوته و وبدأ يحدثنا عن تلك الاحداث الدموية الاولى التي شاهدها في ربيع عمره
كانت تلك الحادثة من الاحداث الاولى التي انغرزت في ذهني ولم استطيع نسيانها حتى اليوم حيث كان الموقع قريباً جدا من بيتي ومشاعر الخوف لا توصف في لحظتها التي لا اقدر على وصفها لكم الان بسبب صعوبة المشهد وبالاخص على طفل في عمري.


احداث هامة
بعد ان كادت العصابات الصهيوينة في فلسطين ان تهزم من الثورة الفلسطينية في حينها ومن مقاوم الشعب الفلسطيني في حينه من الجهاد المقدس ومن ابطال فلسطين ومنهم عبد القادة الحسيني والحاج امين الحسيني وعز الدين القسام وثورة فلسطين التي عرفت فيما بعد بالثورة الكبرى ضد الانتداب البريطاني
على اثر المقاومة الفلسطينية الشعبية للانتداب البريطاني على فلسطين قامت على اثر صحوة الشعب العربي الفلسطيني وبدعم وتآمر بريطانيا بتسهيل هجرة العصابات الصهيونية على فلسطين كان هنام مقاولة باسلة بدأت في هاسة العشرينيات الى منتصف الثلاثينيات وبوجود مقاومين عرب وقادة منهم عز الدين القسام الذي استشهد عام 1935 والحاج امين الحسيني وعبد القادر الحسيني والذي استشهد في معركة القسطل غرب القدس
كادت العصابات الصهيونية في فلسطين ان تهزم مما اضطر البريطانيين الى دعوة الانظمة العربية في حينه الى تشكيل جيش رمزي عربي من مصر، العراق، لبنان، السعودية، الاردن بقيادة القائد البريطاني (جلوب) دخلوا الى فلسطين من الجنوب الى الشرق بقيادة جلوب باشا وتم اعطاء المقاومين الفلسطينيين انذار بتسليم اسلحتهم والانضمام للجيش العربي وبعد اشتباك رمزي (خياني) تم وقت اطلاق النار وتثبيت خط فاصل اطلق عليه خط الهدنة 1948.
وعادت تلك الجيوش الى عواصمها وحدث ما حدث من امقلابات سياسية على اثر تلك الخيانات منهم الضباط الاحرار مثل جمال عبد الناصر-مصر والقائد عبد الكريم قاسم-العراق
اما الاردن فبقي النظام الملكي لغاية اليوم وتم ضم المتبقي من فلسطين الى الاردن (الضفة الغربية) ،وجنوب فلسطين وقطاع غزة الى مصر
اما في الضفة الغربية كان يعيش احمد عمران فقد نهج النظام الاردني تشكيل الحرس الوطني تحت اسم حماية الحدود و خط الهدنة المذكور من التسلل والمتسللين الذين ورد ذكرهم سابقاً
وعدل احمد عمران جلسته وبدأ يتذكر كيف تم اخضاع طلاب الاعدادي في الستينيات على التدرب على الاسلحة فقط
عندما كنت في الصف الثالث الاعدادي بدأت انا وطلاب صفي التدرب على الحركات العسكرية من المشي والزحف وغيره والتدرب على البندقية الانجليزية ورماية خمسة طلقات من السلاح وكان لهذا اثرا ايجابيا على نفسيتي ونفسية زملائي حين ادركنا اننا نستطيع حمل السلاح واستخدامه.
ومن الاثار الثورية الاخرى التي شعرت بالافتخار بها انه اثناء الدراسة وفي كل يوم سبت كنا نتبرع للثورة الجزائرية شلن او خمس قروش وكان لهذا اثر عظيم علينا كجيل حيث اننا وفي المستقبل القريب سنكون جيل المقاومة بل شعلة المقاومة الفلسطينية
واحمد عمران كان من هذا الجيل الواعد جيل الثورة المعاصرة.

احداث ثورية عاشها احمد عمران (معركة 1956)
ان وقوف جمال عبد الناصر داعماً للثورة الجزائرية ضد الاختلال الفرنسي وتعميمه قماة السويس عام 1956 دفع البريطانيين والفرنسيين متحاملقين مع الكيان الاسرائيلي وشن ما يسمى العدوان الثلاثي على قناة السويس
والذي يخصني في هذا الموضوع انه كانت هناك معركة كبيرة على مدينة قلقيلية قبل معركة السويس بحوال 19 يوماً اي 10-10-1956.
وتم احتلال مدينة قلقيلية وتفجير ثلاثة عشر بئراً ارتوازياً ونسف مركز الشرطة في قلقيلية وقتل كل من فيه والتقدم شرقاً نحو عزون كانت معركة استمات فيها ابطال الجيش العربي والمتطوعين من المدينة وضواحيها وكان في قريتنا 3 بطاريات مدفعية ثقيلة عيار 155 ملم نصبها الجيش الاردني موزعة في البلدة في الشمال الشرقي والحنوب خلف البئر الارتوازي الجنوبي الحالي
والوسط في قطعة تسمى (كفة البد) تعود لوالدي والشمالية الشرقية قرب جامع المنصور حالياً اطلقت نيرانها طيلة الليل وكانت تضيء القرية عند الاطلاق وشكل هذا على نفسية الصبية اثارت دافعاً للقوة بشكل رهيب بأننا نمتلك قوة هائلة حيث كان ضوئها قوياً ومنيراً للبلدة عن الاطلاق
توقف القتال مع بداية صباح اليوم الثاني وخرجت البلدة شيبا وشباباً
وبعد ذلك بدأ احمد عمران يصف لنا مشاعر الحسرة والقهر والحقد عندما تذكر الحادثة المأساوية التي عاشها وبقيت محفورة في ذاكرته الى يومنا هذا كيف كان سائق احدى الشاحنات العسكرية الاردنية محترقاً على مقود سيارته.

فكرة بناء الذات
في الازمات العامة تزداد الحوارات وتكون الجماهير كالمنحلة الكل يبحث والكل يفكر بمخرج لما هو فيه خاصة فئك الشباب في عمر المراهقة ما بين 14-18 سنة انه لعمر خطير وخطير جداً ستكون ردود افعالهم سريعة جداً وآنية ومنهم سيكون ردود افعاله عميقة متأنية تتبلور فيها الاهداف العظيمة التي تحقق حرية الوطن وحرية الشعب هؤلاء هم القادة الرواد الذين يحددون اتجاه البوصلة الوطنية كما هو الحال الان في فلسطين كل ومعظم ما يجري من مقاومات وردود افعال هو رد فعل فردي وانفعال فردي يخفي ورائه ما يخفي…
هكذا كان جيلنا في مطلع التسعينات يوم ان نالت الجزائر استقلالها عام 1962 شعر الشباب العربي في حينه انهم قد انتصروا جميعاً وكانت الضفة الغربية تغلي كأنها قدر من الزيت فوق فوهة بركان كانت المظاهرات تجوب شوارع المدن خاصة نابلس عاصمة جبل النار.

عن شباب عزون كان هناك حراك قوي من اجل بناء الذات ققد اتفقنا انا ومجموعة من اصدقائي على انشاء مشروع نادي شباب عزون رياضي وتم استئجار بيت صديقي سعيد عبد القادر (ابو صالح) ووضعنا ادوات بسيطة لبناء الاجسام وطاولة تنس… والذي زاد من معنوياتنا معلمي مدرسة عزون في تلك الفترة منهم الاستاذ ابراهيم مجد والاستاذ عبد الهادي رضوان والاستاذ عبدالله اسماعيل من الكرك الضفة الشرقية الدي كان صديق الجميع
وكان شباب القرية كخلية نحل ومن المناظر الجميلة انهم شكلوا فريق من الصبية وفريق ممن هم من جيل معلميهم يلعبون كرة القدم في الواد الشامي والكل قي منتهى الفرح والنشاط حيث تم كسر الحاجز النفسي بين الصبية وكبار السن
ونحن في خضّم نشاطنا لتطوير النادي (نادي شباب عزون الرياضي) وللحقيقة لم نكن نعلم ان ذلك بحاجة الى ترخيص من الدولة…
وجاء الصيف وكنت انا احمد عمران في صف التوجيهي 1965-1966 واثناء تقديمي امتحان التوجيهي اذا بشرطي من مركز الشرطة الاردني امام القاعة يطلب من مدير القاعة ان يخرجني من القاعة الى مركز الشرطة واتذكر بلحظتها حجم الخوق الذي انتباني في تلك الاثناء ودار عقلي الف دورة ودورة وتاه ما بين الحاضر والمستقبل ولم اعد اتذكر السؤال ولا الجواب وكان موقف مدير القاعة موقفاً عظيماً حيث كنت اسمع الحوار ما بينه وبين الشرطي مما يفيد انه لن يدعه يدخل القاعة (الصف) الى ان انتهي من تقديم امتحاني
وفعلاً بقيت الى نهاية الامتحان وفي تلك الاثناء كنت اتمنى ان يمدد وقت الامتحان الى مالا نهاية.
وذهبت بعدها الى مركز الشرطة مع الشرطي ووجدت ان الشباب قد سبقوني الى هناك والذي اعاد لي معنويتي انني رأيت اساتذتنا موقوفين بنفس التهمة.. تهمة كيف تنشؤون النادي بلا ترخيص؟!
ومن اعظم الصور ان توجهت وجوه عزون من الكبار الى مركز الشرطة ليكفلوننا مع تنكة زيت وتنكة زيتون للشرطي (العيج) لقيه فقط.
واذكر بعض اسماء وجهاء البلدة الحاج منصور وعبد الخليل حواري وعبد العزيز جوده وأخرين منهم
وانتهت القصة بسلام ولم نغلق النادي بل تم تطويره بعد ان التقينا بل تعرفنا على الشهيد عادل عبد اللطيف مسين (ابو جوهر) حيث كان حائزاً على بطولة الاردن لقياس العضلات التي بلغ محيط ذراعه 46سم مما منحه القوة الكافية لأن يكون بطلاً للجمباز في الجيش الاردني قبل انتقاله للانتساب الى الثورة الفلسطينية والذي استشهد عام 1972 في الجولان السوري
وكان وجوده معنا داعماً ومدرباً اعطى وقفة وشعبية كبيرة لنادي شباب عزون والذي طورته أجيال البلدة لاحقاً بشكل كبير جداً وحصل على الكثير من الكؤوس خاصة ببطولة كرة الطائرة في فلسطين ومعظم كؤوس الشطرنج لغاية الآن
معارك عاشها احمد عمران (معركة السموع)
تشرين ثاني 1966 والتي كانت مقدمة لحرب 1967 والدي استشهد فيها الطيار الاردني العظيم موفق السلطي بعد ان اسقط طائرتين اسرائيليتين والتفاصيل موجودة في وثائق تلك المعركة لدى القوة الجوية الاردنية… كانت افئدتنا تكاد تقفز من صدورنا.

 

الطيران الانتحاري والكاميكات الياباني (المؤثرات النفسية)
في سنة 1966 كنت قد انهيت التوجيهي وكانت دور السينما في ذلك الزمان تعرض افلام الحرب العالمية الاولى والثانية… وكانت اسراب الطيران الياباني تهاجم عدوها من خلال عمليات الكاميكات اي ان تهاجم الطيار وينقضى على الهدف بطائرته خاصة السفن الحربية المعادية… كم كان يستهويني ذلك كنت ارى به قمة التضحية من اجل الوطن كنت ارى به انه السلاح الحاكم للنصر وهنا كان حلمي.
في كل صيف كانت القوة الجوية الاردنية تقبل طلاب كطيارين ذهبت الى هناك وتقدمت بطلب الالتحاق ونجحت في كل الفحوصات اللازمة ووصلت الى المرحلة الاخيرة وهي لجنة المقابلة واجابوني بالجملة الشهيرة (سنتصل بك) ولم يتصل أحد بعدها ولم يتصل أحد لغاية اليوم.

آمال الشباب تحطمت
عدت الى قريتي مكسور الخاطر ولم ادخل كلية الطيران الاردنية كلية الطيار الشهيد موفق السلطي والطيار الشهيد فراس العجلوني الطيارون الأبطال الذين سقطوا دفاعاً عن القدس وفلسطين.
ومن اجل ان لا تضيع سنة دراسية سجلت في كلية النجاح الوطنية سنة 1966-1967 وكانت السنة التي صُقلت شخصيتي حيث منهاج كلية التربية يساعدك في فهم الذات من خلال دراسة علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة
تلك السنة التي التقيت فيها بمعلمين كبار كان همهم الوحيد بناء الشخصية الوطنية للطلاب وكان على رأس الكلية قدري طوقان صاحب اكثر من شهادة دكتوراه فخرية لعظمته العلمية وقامته الوطنية
كانت نابلس تشتغل بالمظاهرات الوطنية وكانت الاحزاب القومية وهي التي تقود الشارع في حينه وكانت المظاهرات تقمع بكل عنف وكانت مدرسة العائشية الثانوية للبنات تشارك الشباب مما يزيد حماس المتظاهرين وتزداد قوات الأمن قمعاً وعنفاً.
وما زلت اذكر أن مقر حزب الاخوان المسلمين كان في الطابق الاول في البناية الواقعة امام مدرسة العائشية للبنات في نابلس ولم يكن لهم مشاركة بالمظاهرات في حينه.

النكسة
جاءت سنة العار …سنة الهزيمة… سنة الذل أسموها حرب الايام السنة - ستة ايام - لكننا في الضفة لم نشعر بها سوى عدة ساعات مع كل أسف...
وهناك مَثَل عند العرب {الخيل ما بتنعلق ليلة الغارة}
حتى ليلة الغارة نامت الخيول بلا عليقة كان الشعب اعزل والخيول خائفة.
انتهت المهزلة بعد ان قامت القوات الجوية الاسرائيلية بأبسط أنواع التكتيكات القتالية ودمرّت كافة المطارات العربية (مصر، سوريا، الاردن بما فيها) وسيطرت على الأجواء بلا منازع حاميه ظل تقدم لقواتها الأرضية من دبابات ومشاه وقوات خاصة تعمل خلف خطوط العدو واحتلوا أضعاف مساحة فلسطين من سيناء الجولان الضفة الغربية وأصبحت الأمة العربية أضحوكة بين الأمم.

كنت أسمع ان للهزيمة طعم مر المذاق لكن في تلك المعركة (الهمزلة) قد تذوقت طعم المرار
ومن الدروس المستفادة أن للنصر مقومات وفي الحقيقة أنها لم تكن موجودة في تلك المرحلة لكنها قادمة لا محالة.

احتل العدو الارض والبلدان
مُسَيّر أم مُخيّر؟!
وكان أخي الذي يكبرني بعشر سنوات قد اتجه للعمل في العراق قبل عام من النكسة عام 1966 وكانت تربطني به علاقة مميزة كصديق وأخ… وبعد النكسة بأسبوعين راودتني فكرة أن أذهب لأطمنئنه عن أحوالنا والذي شجعني فلتان الأمور حيث كانت الناس تتحرك مشياً الى الجسر الذي يربط الضفة الغربية مع الاردن يذهبون ويأتون ببساطة.
شاورت امي وساعدتني بإعطائي عشرة دنانير وهذا المبلغ في ذلك الزمن مبلغ كبير وعزمت أمي أحمل جواز سفر اردني منذ عام مضى صالحاً للسفر من الاردن الى الطرق وفي اليوم الثاني عزمت مع صديق آخر من القرية وهو زهدي سلامة (والده وأبي ابناء خالة) ووصلنا الجسر وتفرقنا بالاردن… ذهبت انا ثاني يوم الى بغداد عند أخي وصلت اليه ولأول مرة أرى مطر الدمع من العيون وكأنه غير مصدق لما يرى وتنفس الصعداء بعد ان تأكد عن سلامة الأهل وتحسّر على ما جرى لأمك فقدت الكثير من كرامتها عن أثر تلك المهزلة ووجدته طاوي فلسطيني مغترب يعرف الجالية الفلسطينية في ذلك البلد ولم ألقى صعوبة في التعرف على الناس ومن خلاله
وكان الكل الفلسطيني همه الوحيد الاطمئنان على أقاربه في الداخل الفلسطيني الذي اصبح بيوم وليلة الداخل المحتل.
أصبحت انا في بغداد… بغداد الرشيد التي تنبض بالروح القومية والوطنية… كانوا مع فلسطين وكل شيء من أجب فلسطين وهناك كانت الفصائل الفلسطينية موجودة وتعمل فوق السطح ومدعومة من النظام ومن الناس
ليس كيون استدعائي وزملائي الى مركز الشرطة من اجل قصة انشاء نادي في المهد.
في بغداد كان هناك مقر اتحاد عمال فلسطين وكان هناك مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية ولها ممثل معترف به من الحكومة العراقية… كل ذلك لم أكن اعيه ولا اعرفه ونحن في الضفة الغربية لا بل لم يكن مسموح لنا ان نعرّف على انفسنا اننا فلسطينيون بل اردنيون لأننا تحت تابعة النظام الملكي الاردني ونحصل على الجنسية والجواز الاردني في حينه.
ايام فقط والتقيت بشاب فلسطيني كان اسمه الحركي نبيل العنبتاوي عرض علي فكرة الانضمام الى الثورة - فتح - ولم يجد صعوبة في تنظيمي بل كنت تواقاً لذلك… ولم اكن أعرف هي صدفة ام قدر كنت اشعر انني لست مخيّراً بل مسيّراً ومحمي بدعاء والدّي وأني خاصةً.
تكفلت بتنظيم خلية وفعلاً عرضت ذلك على اخي وصديقاً له وشاب آخر من قرية بيتنا نابلس كان اسمه فوزي تايه بعدها أصبح صديقاً ورفيق السلاح
وكان العدد يكفي لتشكيل خلية في فتح كنت انا وفوزي من نفس الجيل وكان شاباً خلوقاً مميزاً بأدبه والتزاميه التنظيمي… نتواجد كل يوم في اتحاد العمال وفي احد الايام وانا أطالع الجريدة المحلية وقفت عيناي على عنوان يقول (قبول طيارين)
تعلن كلية القوة الجوية العراقية قبول الطلبات في مقر قيادة القوة الجوية العراقية…..الخ
أصبحت بالدهشة والذهول سألت نفسي مجرد سؤال "هل يحق لي..أم للعراقيين فقط؟" حيث كان يعمل فرّان في احد المخابز الحديثة ببغداد كونه يمتلك الخبرة من فرن لنا في قرية عزون سابقاً.
صُدمت حين اخبرني اخي ان لا علم له بذلك لكنه استدرك وقال أنه يعرف ضابط كبير في الجيش سيسأله عن ذلك عندما يأتِ لشراء الخبز من الفران
وطرت فرحاً حينما أخبرني نعم تستطيع كفلسطيني وفوراً التقيت بمسؤولي في التنظيم فتح وأخبرته عن ذلك…وكم كانت فرحتنا حينما علمنا ان العراق يقبل سنوياً ثلاثة مقاعد طيارين في كلية القوة الجوية وعشرة مقاعد ضباط في الكلية العسكرية العراقية…كان ذلك تنفيذاً لقرار الجامعة العربية ان على الدول العربية مسؤولية البدء بإنشاء جيش التحريرالفلسطيني والتزم بذلك ثلاثة دول عربية فقط مصر والعراق وسوريا.
وكانت نفس الفرحة عند صديقي الذي اصبح زميلاً لي في الكلية فوزي تايه.
وبكل سلاسة وبكل بساطة وبمجرد كتاب من مكتب م. ت. ف موجه الى وزارة الدفاع العراقية قم الى القوة الجوية العراقية تم قبولنا لتقديم الاوراق والشهادات اللازمة لذلك وباشرنا مع الطلبة العراقيين الفحص الطبي اللازم للطيران في المستشفيات العسكرية وذلك من اجل اجتياز المعايير القياسية الطبية الخاصة لمهام الطيران المقاتل من اجل الحصول على الشهادة الطبية واللائقة من الدرجة الاولى التي تتضمن حوالي 16 فحص من الاشعة الى تخطيط الدماغ وكافة تحاليل الدم والتناسب بين الطول والوزن والامراض الوراثية واللياقة البدنية واحمل الجاذبية والكرسي الدوار الخ...
والمضحك انني وبالرغم من كوني رياضي ومميز بألعاب القوى الا انني كنت مرتبك وخائف فوق العادة! ولست ادري ما السبب يمكن من عقدة رفضي من الاردن… واخيراً ظهرت النتيجة (لائق طبياً) وبدت الفرحة على الوجوه.
نتيجة الفحص الطبي ناجح انا وفوزي وثلاثة اخرين من الفلسطينيين والخبر المفرح ان العراق بتلك السنة رفعت المقاعد من ثلاثة مقاعد الى خمسة مقاعد للطيارين الفلسطينيين (احمد عمران، فوزي تايه، نبيل ابو حجلة، اسماعيل هنداش، محمد رياض نايف) خمسة.
وبقي شيئاً من الخوف يزداد يوماً بعد يوم وتزداد معه نبضات القلب الى ان جاء الموعد الاخير (موعد المقابلة) مقابلة الهيئة والشخصية امام لجنة من الضباط.
يقول احمد عمران وهو يصف لنا كمية الخوف والتردد الذي كان يشعر به في حينها سمع احداً ينادي اسمه وبعد تردد هو؟ ليس هو! يمكن ان يكون عراقياً! وبنفس الاسم! سأل نفسه
تردد ناتج عن خوف داخله من شدة حلمه ان يكون طياراً وخلال لحظات لم يستجب للنداء احد! فتأكد انه هو…قفز ودخل الى القاعة امام اللجنة واقفاً باستعداد عسكري محترف واثق حيث كان قد تلقى بعض التدريبات في الصف الثالث الاعدادي وفي فلسطين
وبعد الاسئلة التقليدية: ما اسمك؟ شهادتك؟ عمرك؟ بلدك؟ فلسطيني! سأله العراقي مرة اخرى فلسطيني؟
قال نعم فسأله سؤال هل تحفظ شعراً فلسطينياً قال نعم وبدأ يلقي بالشعر: {سأحمل روحي على راحتي..والقي بها في مهاوي الردى
فأما حياة تسر الصديق..واما ممات يغيظ العدى}
فرِح من يقابله ف رد عليه بثناء : يا ابني احنا بندوِّر عليك…كاد احمد ان يجن من الفرح.
1967/10/10 اول لحظة بل اول يوم التحقت به كلية القوة الجوية العراقية/الشعيبة/محافظة البصرة التي احببتها كوطني واهلي والتي افديها بدمي.
يعبر احمد عمران بملامح وجهه عن مدى حبه لهذه الايام ويقول عشقت كل لحظة قضيتها هناك كنت منتمياً حتى العشق "ما زلت احتفظ برائحة اول طائرة طرت عليها وتسمى
(Ship mank)
ويذكر انه لا زال يحفظ اسم اول مدرب له وهو عسكري من الهند واسمه (جوتام).
 

 

المزيد من الصور
يوسف عمران ، ثوري بدماء فلسطينية
يوسف عمران ، ثوري بدماء فلسطينية
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017