الرئيسية / مقالات
الاكتئاب ..... حذار من أحد أهم اضطرابات العصر!
تاريخ النشر: الجمعة 30/12/2022 19:16
الاكتئاب ..... حذار من أحد أهم اضطرابات العصر!
الاكتئاب ..... حذار من أحد أهم اضطرابات العصر!

نادية حنون
دكتوراه إرشاد تربوي ونفسي- جامعة القدس المفتوحة – رام الله
الاكتئاب اضطراب مزاج وجداني، ينتج إما نتيجة انعكاسية لاضطرابات اجتماعية عائلية واقتصادية، أو يكون ذاتي العلة أي تكويني المنشأ، ولعامل الوراثة فيه دور كبير، وحيث يعد الاكتئاب أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً بعد القلق، وتختلف الأعراض الاكتئابية في شدتها من شخص إلى آخر، ويشعر المصاب بالاكتئاب بالأعراض المتعددة، كالسوداوية، والتردد الشديد، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، والشعور بالإثم، والتقليل من قيمة الذات، والمبالغة في تضخيم الأمور التافهة، والأرق الشديد، وفقدان الشهية بأوهام اضطرابيه، والمعاناة من بعض الأفكار الانتحارية، كما يعد الاكتئاب السبب الرئيس للإعاقة في العالم، فهو اضطراب عقلي يتميز بحزن مرضي خارج عن سيطرة الإرادة؛ إذ يسيطر اليأس، وتتملق الحيرة، ففي هذه الحالة يفقد المصاب المتعة والحماسة في حياته اليومية، فيقول المكتئب كلاماً، ويتفوه بأحاديث مملة، ويفقد شهيته للطعام بشكل واضح، ويضطرب نمط النوم الطبيعي لدى المكتئب ليصاب بالأرق أو بالإفراط في النوم، نراه خامل يتكلم ببطء وتراخ؛ إلا أن بعضهم يصابون بحالة معاكسة متمردة مع اهتياج وعنف، فالمكتئبون يصابون باضطراب في علاقاتهم الجنسية، ويفقدون الرغبة والمتعة، وكثيراً نسمعهم يقولون: "لا طاقة لنا ... لم تعد لنا القدرة ... نحن دائماً متعبون". ويشمل اضطراب الاكتئاب بعض جوانب النفس، والمزاج، والأفكار، ويؤثر على الطريقة التي اعتاد عليها الفرد في الأكل والنوم، وكذلك على الطريقة التي يشعر بها تجاه نفسه والآخرين والمستقبل، ومن أعراضه: العزلة، وخيبة الأمل واليأس، وعدم الثقة بالنفس، وعدم الراحة الجسمية، والأرق، وعدم المشاركة أو الاستمتاع في النشاطات الاجتماعية التي مرت في حياة الفرد، وتتراوح درجة الاكتئاب من الاكتئاب البسيط إلى الاكتئاب الشديد جداً.
وقد تزايدت معدلات الإصابة باضطراب الاكتئاب خلال العقود الأخيرة الماضية، وأصبح الاكتئاب من الاضطرابات المزمنة، التي تبدأ بمرحلتي الطفولة والمراهقة، وتمتد إلى مراحل عمرية لاحقة، فتزايد معدلات الإصابة بالاكتئاب، وبخاصة في السن ما بين (15-18) عاماً؛ حيث بلغت معدلات الإصابة من (3% إلى17%)، وأن معدل إصابة الإناث بالاكتئاب هي ضعف المعدلات لدى الذكور.
يجب علينا التفريق بين أعراض الاكتئاب والتي تعد أكثر انتشاراً، وبين اضطراب الاكتئاب، فلا تشكل الأعراض اضطراباً، ولكن تعد هذه الأعراض تفاعلاً للظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، إلا أن إهمالها قد يحولها إلى اضطرابات اكتئابيه مزمنة.
إن أخطر ما في الاكتئاب تولد مشاعر الذنب، وفقد الجدارة والاعتبار الذاتي؛ حيث تنشأ التوهمات من استغراق الفرد في تحقير ذاته أو تجريمها، وهذا الإحباط العام المشبع بالخيبة، وعدم القدرة على الانتباه والتركيز يفقد الفكر قاعدته الأساسية: المنطق مما يؤسس لانبعاث فكر التدمير؛ أي الموت لتتحول الرغبة في الحياة لأمنية اللحاق بعزيز فقده؛ حيث يبرمج البعض خططاً للانتحار، ويسلك بعضهم الآخر سلوكاً متهوراً، كالإسراف في شرب الكحول أو أي سلوك رديف للانتحار، وهذه الحالة المتطورة من الاكتئاب الحاملة في ثناياها الموت الإرادي يسمى السويداء، ولعله السبب الأساس الأول للانتحار في كل العالم، وضحايا السويداء كثيراً ما يكونون مصابين بما يسمى بالشخصية ذات المزاج الدوري؛ أي أحياناً يمتلكهم الفرح الشديد مع تفاؤل وطموح كثيرين، إضافة للنشاط المفرط، وأحياناً أخرى يتملكهم الحزن غير المبرر مع كل العوارض المذكورة أعلاه عن الاكتئاب، ونضيف أن هناك حالات اكتئاب دائمة ذاتية العلة؛ أي أن السبب داخلي بيولوجي وهي الأقسى من المعاناة ... إنها الجحيم!
أما الاكتئاب الإكلينيكي، فهو مختلف ... إنه خلل طبي، ولا يختلف فقط لأنك تريده أن يختفي، إنه باقٍ على الأقل لمدة أسبوعين متواصلين، ويتداخل بطريقة سيئة مع قدرة الفرد على العمل واللعب أو الحب، فالاكتئاب حسب الأدلة التشخيصية العالمية المعتمدة له الكثير من الأعراض: مزاج سيئ، فقد الاهتمام بالأشياء التي يستمتع بها في العادة، تغير في الشهية، الإحساس بأنك بلا فائدة أو بأنك مذنب للغاية، النوم فترات طويلة جداً أو قصيرة جداً، فقد التركيز عدم القدرة على الراحة أو حتى البطيء الشديد، فقد الطاقة، أو التفكير المتكرر في الانتحار، إذا كنت تعاني من خمسة على الأقل من هذه الأعراض تبعاً للإرشادات الطبية النفسية، فأنت تخضع لتشخيص الاكتئاب، كما أنها ليست فقط أعراض سلوكية، فالاكتئاب له أعراض فسيولوجية داخل المخ، وهناك تغير يمكن ملاحظته بالعين المجردة وبالأشعة السينية أيضاً، وهذا يتضمن تقلص حجم الفصوص الأمامية والحصين وبصورة دقيقة.
وهناك طرق عديدة للتعامل مع الاكتئاب، من خلال التدخلات الإرشادية والعلاجية المتخصصة، التي تساعد في تخفيف أعراضه، والحد من أي نتائج أو تبعات للاكتئاب، والأهم هو أن يتوجه المصاب باضطراب الاكتئاب إلى المتخصصين وذوي الخبرة، وأن لا يتردد في طلب مساعدتهم.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017