بقلم: عائشة حموضة – ناشطة نقابية
تشهد المنطقة العربية تحديات بنيوية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أثّرت بشكل مباشر على واقع العدالة الاجتماعية، وساهمت في تفاقم الفجوات بين الفئات الاجتماعية، خصوصاً بين النساء والرجال. وقد انعكس هذا الواقع على مفاهيم الحوار الاجتماعي والمفاوضات الجماعية، حيث بات من الضروري إعادة النظر في أولويات النقاش، ووضع العدالة الجندرية في صميم عملية التفاوض الجماعي.
إن المفاوضات الجماعية لم تعد مجرّد أداة لتحديد الأجور وساعات العمل، بل أصبحت آلية محورية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا السياق، تظهر العدالة الجندرية كمطلب أساسي يجب إدماجه بشكل ممنهج في جداول أعمال النقابات، خاصة في ظل التحديات الخاصة التي تواجهها النساء العاملات في المنطقة العربية.
واقع النقابات العربية والمفاوضات الجندرية
على الرغم من جهود الحركة النقابية العربية، لا تزال قضايا النوع الاجتماعي تُعامل في كثير من الأحيان كملفات هامشية أو غير عاجلة. ويعود ذلك إلى عدة عوامل:
• غياب ثقافة جندرية مؤسساتية داخل النقابات.
• نقص السياسات الداعمة لتدريب النساء وتأهيلهن للمشاركة الفعالة في المفاوضات.
• قلة تمثيل النساء في مواقع صنع القرار وفرق التفاوض.
• ضعف المنصات النقابية النسوية المستقلة.
• غياب الأدوات التحليلية التي تساعد في قراءة الواقع من منظور النوع الاجتماعي.
هذا الواقع يستدعي من الحركة النقابية النسوية أن تتبنى أولوية واضحة لـ تعزيز العدالة الجندرية في المفاوضات الجماعية، عبر دمج مفاهيم وأدوات نوعية في عملية التفاوض ورسم السياسات.
أدوات لتعزيز العدالة الجندرية في المفاوضات
لضمان مفاوضات أكثر عدلاً وشمولاً، من الضروري اعتماد مجموعة من الأدوات التي تعزز الإدماج الفعلي للنوع الاجتماعي، وأبرزها:
• التحليل الجندري.
• التدقيق الجندري.
• الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي.
• التخطيط الجندري.
• قياس مؤشرات النوع الاجتماعي.
• خرائط القوة والنفوذ الجندرية.
• إدماج النوع الاجتماعي في السياسات والمؤسسات.
من القضايا الدولية إلى الأولويات المحلية
ينبغي على النقابات العربية الاستفادة من السياق الدولي وتسليط الضوء على قضايا تمس النساء العاملات بشكل مباشر مثل:
• اتفاقية العنف والتحرش (رقم 190).
• اتفاقية الإنصاف في الأجور (رقم 100) واتفاقية التمييز (رقم 111).
• التغيرات في اقتصاد الرعاية وتأثيرها على مشاركة النساء.
• التحولات المرتبطة بـ الانتقال العادل، واقتصاد المنصات، والمخاطر البيولوجية، التي تزيد من هشاشة أوضاع النساء العاملات، خاصة في القطاعات غير الرسمية.
اقتصاد الرعاية من منظور جندري
يشكل اقتصاد الرعاية – الذي يعتمد بدرجة كبيرة على النساء – واحداً من أبرز العوائق أمام مشاركة النساء الفعالة في سوق العمل والمفاوضات الجماعية. فغياب السياسات الداعمة (مثل خدمات الحضانة، إجازات الأبوة، والعمل المرن) يساهم في تهميش النساء. إدراج هذا المحور في الاتفاقات الجماعية يشكل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة الجندرية.
🟣 توصيات مختصرة لتعزيز العدالة الجندرية في المفاوضات في المنطقة العربية:
1 تعزيز تمثيل النساء في فرق التفاوض وفي مواقع صنع القرار داخل النقابات.
2 بناء قدرات النساء عبر تدريبات متخصصة في التفاوض من منظور جندري.
3 دمج قضايا النوع الاجتماعي في الاتفاقات الجماعية (المساواة في الأجور، الحماية من العنف، العمل اللائق).
4 اعتماد أدوات تحليل جندري ممنهجة في التخطيط والتقييم.
5 دعم وحدات النوع الاجتماعي داخل النقابات كمحركات للتغيير.
6 التشبيك الإقليمي وتبادل الخبرات بين النقابات النسوية العربية.
7 المواءمة مع الاتفاقيات الدولية (190، 100، 111 وغيرها).
8 الاعتراف بالرعاية كعمل ودمج مطالب اقتصاد الرعاية في المفاوضات.
إن العدالة الجندرية ليست خياراً ثانوياً، بل ضرورة لبناء حوار اجتماعي أكثر شمولاً وعدالة في منطقتنا العربية. وآن الأوان أن تصبح النساء شريكات فعليات في صناعة القرارات التفاوضية، ليس فقط لضمان حقوقهن، بل لضمان مجتمع أكثر عدالة وكرامة للجميع