الرئيسية / ثقافة وأدب
باب الحارة 8 رسالة واقعية يستنكرها المجتمع العربي
تاريخ النشر: السبت 11/06/2016 09:38
باب الحارة 8 رسالة واقعية يستنكرها المجتمع العربي
باب الحارة 8 رسالة واقعية يستنكرها المجتمع العربي

 بقلم: عدي أبو الرب

خمس أجزاء من المسلسل السوري الشهير "باب الحارة" حملت معنى وحيد وواحد يبين في كل جزء منها الرجل السوري الشهم الذي يخاف على عرضه و أرضه ومحاربته (للفرنساوي) وكيف يظهر في كل جزء من أجزائه خائن (عميل للفرنساوي) و تستمر حبكت المسلسل بالإنطلاق نحو النهاية التي صار الجمهور يتوقعها بعد ثلاث أجزاء متتالية.
كما أن تلك الأجزاء لم تحمل أي صورة أو معنى حقيقي للمرأة السورية بل صورتها على أنها (مشكلجية) متمثلا بالصراع الذي كان يدور بين (فريال خانوم) و (أم عصام) الشخصيتين اللاتي لم تنتهي مشاكلهن بعد خمس أجزاء متتالية, و تمتد الصورة السلبية لتصور المفهوم المشوه والمكرس حول الحماة والكنة وما يدور من صراعات بينهما بالأحداث التي كانت تدور بين (أم عصام و كنتها لطفية).
ليس هنا فقط بل رسخ هذا المسلسل السوري العقيم خلال الأجزاء السابقة مفهوم غير حقيقي حول ثبات السورين في وجه الإحتلال حيث بين لنا أن هذه الحارة تعتبر البطل الخارق الذي هز جيش الإحتلال الفرنسي وانها الحامي الوحيد لسوريا مهمشا دور باقي الحارات في الدفاع عن الوطن, ما أود قوله لو كان هذا صحيحا لما إحتلت سوريا بأكملها لمدة ليست بالقليلة و بالرغم من ذلك لا أنكر وجود ثلة من السوريين يفتخر بجهودهم ضد الإحتلال الفرنسي.
الجزء السادس كان أكثر هذه الأجزاء سخرية ومثارا للجدل في الأوساط العربية نتيجة لصدمة أعتقد أن الشعب العربي تعرض لها بعد أن أعاد (بسام الملا) شخصية أبو عصام للحياة في الجزء السادس وبظهور (ناديا الفرنسية) التي تزوجها أبو عصام فكانت بالنسبة للعرب أجمع الفاجعة الكبرى التي لم يعتد عليها, وزاد الطين بلة بحب معتز لسارة اليهودية فكان هذا الجزء بداية السخرية العربية  التي لم تدرك حقيقة الرسالة التي بدأت بالتغير في فصول الجزء السادس, هذه التغيرات لم تعجب الوسط العربي لانها لا تتماشى مع العقلية العربية التي تحب أن تتباهى بإنتصارات العصور الماضية, بل إن هذا الوسط حول المسلسل لمثار سخرية كالعادة.

الحقيقة أن الجزء السادس كان بداية لنقلة نوعية في الرسالة التي أراد ان يوصلها القائمين على هذا المسلسل إضافة لوجود مضمون أكثر أهمية من قضية محاربة الإحتلال التي أخذت حقها  فتغير الصراع من الصراع مع الإحتلال و تكرار ديباجة الإنتصار و عدم الخضوع للخوض في تفاصيل مجتمعية كثيرة  يحاول المجتمع العربي بكثرتها إنكارها وعدم الإعتراف بوجودها فيه.
فها هو الجزء السادس و السابع يبين مشكلة حب السلطة و الرغبة في السيطرة عليها والوصول إليها متمثلة بشخصية (أبو ظافر) الذي يحاول الوصول لزعامة الحارة بشكل أو بآخر, و مشكلة الطبقات الإقتصادية التي كانت معدومة فها هي (أم ظافر) تجسد الطبقة الغنية ومعاملتها لزوجة إبنها بإسلوب غير لائق فقط لانها أقل منهم في المستوى الإقتصادي.
مشكلة الخوف من الحقيقة التي كان أيضا محورها أحد أفراد عائلة أبو ظافر(قاعود) الذي يعاني من إضراب في عقله وهو إبنه من زوجته البدوية فيضعه أبو ظافر في البايكة ولا يعترف للناس بأنه إبنه خوفا من العار بل يكتفي بالقول بأنه عامل لديه وهي أيضا إحدى صور المجتمع العربي التي شاهدنها على أرض الواقع بأن كثير من الأهل ينكرون أبناءهم لعلة أو مرض.
إضافة إلى ذلك فقد إحتوى الجزء السادس والسابع على مشاكل دينية و مغروسة في العقل العربي بأن زواج المسلم من يهودية يعتبر أمر غير مقبول في شرعهم, مع العلم أن الدين لم يحرم ذلك, و إذا ما أردت عزيزي القارئ أن تربط اليهودية بقضيتنا الفلسطينية فعليك أن تغذي فكرك بالتفريق بين الصهيونية التي إحتلت أرضنا الفلسطينية و بين الدين اليهودي الذي حثنا الدين الحنيف على حسن معاملة أصحابه ما لم يضرونا, فهناك الكثير من اليهود الذي يرفضون الصهيونية في العالم ولا يعترفون حتى بوجود دولة إسرائيل.
اما الجزء الثامن الذي شكل في بداياته صدمة وسيشكل حتى نهايته صدمة أكبر للمجتمع العربي  المحافظ الذي ينكر أمور كثير أهمها التطرف الديني الذي يجسدها (سمعو) بتصرفاته التي ظهرت في الحلقات الأولى من هذا الجزء بقيامه بضرب زوجته دلال والتي يظهر فيها على أنه شيخ متشدد عنيف متعصب مما وضع المسلسل في أولى حلقاته في دائرة نقد المجتمع العربي ولسانه السليط الذي بدأ بالهجوم عليه عبر منصات التواصل الإجتماعي دون أن يعي الرسالة الأكبر والتي تدل عبر مواقف أهل الحارة على أن الإسلام دين تسامح وسلام, كما سيظهر نوع من الحرية للمرأة في هذا الجزء حيث يقول أبو عصام في أحد المشاهد "وحرمة ولو كانت إمكم هي الي رح تمشي كلمتها .. . وعلي ... وأنا شواربي أعز من شواربك منك إنتا وياه ولا... وما صرلي شي ولا نقصت رجوليتي..." في هذه الكلمات تظهر قمة الديموقراطية التي يمنحها أبو عصام لزوجته فتصبح شواربه لا قيمة لها أمام كلمتها ليظهر معها أسلوب حياة جديد يصور تقدم في الحركة الفكرية بما لا يتناقد مع الدين عبر إعطاء المرأة مساحة قليلة من الحرية.و تظهر جولي المرأة التي تدافع عن الرجال والنساء في حارة الضبع في الوقت ذاته ولكنها تحاول كسر قوانين المجتمع المحافظ بمنح المرأة حرية أكبر .
وتظهر مظاهر جديدة قد تكون فيها كثير من الخروج عن قواعد الدين باللباس الذي ترتديه جولي والذي يصبح أمرا طبيعيا يفرض وجوده في ساحة حارة الضبع دونما أي مشكلة وتصبح الحياة أكثر تعقيدا بما تحمله من تطورات إجتماعية و سياسية في ثلاثينيات القرن الماضي.
حيث سيجسد هذا الجزء ما حملته تلك الحقبة من الزمن من صراعات وتبرز هذه الصراعات بين التطرف الديني والعلماني الذي كان موجودا فعلا حيث سينصر هذا الجزء المرأة والطبقات المظلومة وسيفرغ عن كبت كان موجود آنذاك .
من وجهة نظري اعتقد أن الأجزاء الثلاثة الأخيرة إشتملت على رسالة واقعية أكثر منها في الأجزاء الأولى حيث باتت تجسد صراعات و تعقيدات أبى المجتمع العربي أن تظهر إلى العلن فهو مجتمع يحب الإنتقاد ولا يقبل بالنقد.
 
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017